للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرَوْنَ؟ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَبْعَثَ رِجَالًا يَقْتُلُونَ كُلَّ مَوْلُودٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لِلْقِبْطِ: انْظُرُوا مَمَالِيكَكُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خَارِجًا فَأَدْخِلُوهُمْ وَاجْعَلُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ يَلُونَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَعْمَالِ غِلْمَانِهِمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} [القصص: ٤] ، فَجَعَلَ لَا يُولَدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَوْلُودٌ إِلَّا ذُبِحَ وَكَانَ يَأْمُرُ بِتَعْذِيبِ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، فَكَانَ يَشُقُّ الْقَصَبَ وَيُوقِفُ الْمَرْأَةَ عَلَيْهِ فَيَقْطَعُ أَقْدَامَهُنَّ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَضَعُ فَتَتَّقِي بِوَلَدِهَا الْقَصَبَ، وَقَذَفَ اللَّهُ الْمَوْتَ فِي مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَخَلَ رُءُوسُ الْقِبْطِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَكَلَّمُوهُ، وَقَالُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ وَقَعَ فِيهِمُ الْمَوْتُ فَيُوشِكُ أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ عَلَى غِلْمَانِنَا، تَذْبَحُ الصِّغَارَ وَتُفْنِي الْكِبَارَ، فَلَوْ أَنَّكَ كَتَبْتَ تُبْقِي مِنْ أَوْلَادِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَةً وَيَتْرُكُوا سَنَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي تَرَكُوا فِيهَا وُلِدَ هَارُونُ، وَوُلِدَ مُوسَى فِي السَّنَةِ الَّتِي يَقْتُلُونَ فِيهَا، وَهِيَ السَّنَةُ الْمُقْبِلَةُ. فَلَمَّا أَرَادَتْ أُمُّهُ وَضْعَهُ حَزِنَتْ مِنْ شَأْنِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا، أَيْ أَلْهَمَهَا: {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: ٧]- وَهُوَ النِّيلُ - {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٧] .

فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أَرْضَعَتْهُ ثُمَّ دَعَتْ نَجَّارًا فَجَعَلَ لَهُ تَابُوتًا، وَجَعَلَ مِفْتَاحَ التَّابُوتِ مِنْ دَاخِلٍ وَجَعَلَتْهُ فِيهِ وَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهَا أَتَاهَا إِبْلِيسُ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: مَا الَّذِي صَنَعْتُ بِنَفْسِي! لَوْ ذُبِحَ عِنْدِي فَوَارَيْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقِيَهُ بِيَدِي إِلَى حِيتَانِ الْبَحْرِ وَدَوَابِّهِ. فَلَمَّا أَلْقَتْهُ قَالَتْ لِأُخْتِهِ - وَاسْمُهَا مَرْيَمُ - قُصِّيهِ - يَعْنِي قُصِّي أَثَرَهُ - {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: ١١] أَنَّهَا أُخْتُهُ، فَأَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالتَّابُوتِ يَرْفَعُهُ مَرَّةً وَيَخْفِضُهُ أُخْرَى حَتَّى أَدْخَلَهُ بَيْنَ أَشْجَارٍ عِنْدَ دُورِ فِرْعَوْنَ، فَخَرَجَ جَوَارِي آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يَغْتَسِلْنَ فَوَجَدْنَ التَّابُوتَ فَأَدْخَلْنَهُ إِلَى آسِيَةَ، وَظَنَنَّ أَنَّ فِيهِ مَالًا، فَلَمَّا فُتِحَ وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ آسِيَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهَا رَحْمَتُهُ وَأَحَبَّتْهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ، وَأَتَتْهُ بِهِ قَالَتْ: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ} [القصص: ٩] . فَقَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>