للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِتَالِهِمْ فَانْحَازُوا عَلَى حَامِيَةٍ، فَإِذَا رَجَعُوا عَنْكُمْ فَاعْطِفُوا عَلَيْهِمْ وَكُونُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْجَيْشَ يَأْتِيكُمْ عَنْ سَاعَةٍ.

فَجَعَلَتِ الْخَوَارِجُ كُلَّمَا حَمَلَتْ عَلَيْهِمُ انْحَازُوا عَنْهُمْ، فَإِذَا عَادَ الْخَوَارِجُ رَجَعَ أَبُو الرَّوَاغِ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، فَنَزَلَ الطَّائِفَتَانِ يُصَلُّونَ ثُمَّ أَقَامُوا إِلَى الْعَصْرِ، وَكَانَ أَهْلُ الْقُرَى وَالسَّيَّارَةُ قَدْ أَخْبَرُوا مَعْقِلًا بِالْتِقَاءِ الْخَوَارِجِ وَأَصْحَابِهِ، وَأَنَّ الْخَوَارِجَ تَطْرُدُ أَصْحَابَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَإِذَا رَجَعُوا عَادَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُمْ. فَقَالَ مَعْقِلٌ: إِنْ كَانَ ظَنِّي فِي أَبِي الرَّوَاغِ صَادِقًا لَا يَأْتِيكُمْ مُنْهَزِمًا أَبَدًا. ثُمَّ أَسْرَعَ السَّيْرَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ وَاسْتَخْلَفَ مُحْرِزَ بْنَ شِهَابٍ التَّمِيمِيَّ عَلَى ضَعَفَةِ النَّاسِ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى أَبِي الرَّوَاغِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَذِهِ غَبَرَةٌ فَتَقَدَّمُوا بِنَا إِلَى عَدُوِّنَا حَتَّى لَا يَرَانَا أَصْحَابُنَا، أَنَّا تَنَحَّيْنَا عَنْهُمْ وَهِبْنَاهُمْ. فَتَقَدَّمَ حَتَّى وَقَفَ مُقَابِلَ الْخَوَارِجِ وَلَحِقَهُمْ مَعْقِلٌ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَصَلَّى أَبُو الرَّوَاغِ بِأَصْحَابِهِ وَصَلَّى الْخَوَارِجُ أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو الرَّوَاغِ لِمَعْقِلٍ: إِنَّ لَهُمْ شَدَّاتٍ مُنْكَرَاتٍ فَلَا تَلِهَا بِنَفْسِكَ وَلَكِنْ قِفْ وَرَاءَ النَّاسِ تَكُونُ رِدْءًا لَهُمْ. فَقَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.

فَبَيْنَمَا هُوَ يُخَاطِبُهُ حَمَلَتِ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمَ عَامَّةُ أَصْحَابِ مَعْقِلٍ وَثَبَتَ هُوَ، فَنَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ وَمَعَهُ أَبُو الرَّوَاغِ فِي نَحْوِ مِائَتَيْ رَجُلٍ، فَلَمَّا غَشِيَهُمُ الْمُسْتَوْرِدُ اسْتَقْبَلُوهُ بِالرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ، فَانْهَزَمَتْ خَيْلُ مَعْقِلٍ سَاعَةً، ثُمَّ نَادَاهُمْ مِسْكِينُ بْنُ عَامِرٍ، وَكَانَ شُجَاعًا: أَيْنَ الْفِرَارُ وَقَدْ نَزَلَ أَمِيرُكُمْ، أَلَا تَسْتَحْيُونَ؟ ثُمَّ رَجَعَ وَرَجَعَتْ مَعَهُ خَيْلٌ عَظِيمَةٌ وَمَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ يُقَاتِلُ الْخَوَارِجَ بِمَنْ مَعَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى الْبُيُوتِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَهُمْ مُحْرِزُ بْنُ شِهَابٍ فِيمَنْ مَعَهُ، فَجَعَلَهُمْ مَعْقِلٌ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَقَالَ لَهُمْ: لَا تَبْرَحُوا حَتَّى تُصْبِحُوا وَنَثُورَ إِلَيْهِمْ.

وَوَقَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مُقَابِلَ بَعْضٍ فَبَيْنَمَا هُمْ مُتَوَافِقُونَ أَتَى الْخَوَارِجَ عَيْنٌ لَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ شَرِيكَ بْنَ الْأَعْوَرِ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَصْرَةِ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ.

فَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ لِأَصْحَابِهِ: لَا أَرَى أَنْ نُقِيمَ لِهَؤُلَاءِ جَمِيعًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ نَرْجِعَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي جِئْنَا مِنْهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ لَا يَتْبَعُونَنَا إِلَى أَرْضِ الْكُوفَةِ فَيَهُونُ عَلَيْنَا (قِتَالُ) أَهْلِ الْكُوفَةِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالنُّزُولِ لِيُرِيحُوا دَوَابَّهُمْ سَاعَةً، فَفَعَلُوا، ثُمَّ دَخَلُوا الْقَرْيَةَ وَأَخَذُوا مِنْهَا مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي أَقْبَلُوا مِنْهُ وَعَادُوا رَاجِعِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>