للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَعْقِلٌ فَإِنَّهُ بَعَثَ مَنْ يَأْتِيهِ بِخَبَرِهِمْ حِينَ لَمْ يَرَ سَوَادَهُمْ، فَعَادَ إِلَيْهِ الْخَبَرُ أَنَّهُمْ قَدْ سَارُوا، فَخَافَ أَنْ تَكُونَ مَكِيدَةً وَخَافَ الْبَيَاتَ فَاحْتَاطَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَتَحَارَسُوا إِلَى الصَّبَاحِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَاهُمْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِمَسِيرِهِمْ، وَجَاءَ شَرِيكُ بْنُ الْأَعْوَرِ فِيمَنْ مَعَهُ فَلَقِيَ مَعْقِلًا فَتَسَاءَلَا سَاعَةً وَأَخْبَرَهُ مَعْقِلٌ بِخَبَرِهِمْ، فَدَعَا شَرِيكٌ أَصْحَابَهُ إِلَى الْمَسِيرِ مَعَ مَعْقِلٍ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَى مَعْقِلٍ بِخِلَافِ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ يَجْمَعُهُمَا رَأْيُ الشِّيعَةِ، وَدَعَا مَعْقِلٌ أَبَا الرَّوَاغِ وَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهِمْ، فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي مِثْلَ الَّذِينَ كَانُوا مَعِي لِيَكُونَ أَقْوَى لِي إِنْ أَرَادُوا مُنَاجِزَتِي. فَبَعَثَ مَعَهُ سِتَّمِائَةِ فَارِسٍ، فَسَارُوا سِرَاعًا حَتَّى أَدْرَكُوا الْخَوَارِجَ بِجَرْجَرَايَا وَقَدْ نَزَلُوا فَنَزَلَ بِهِمْ أَبُو الرَّوَاغِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ قَالُوا: إِنَّ قِتَالَ هَؤُلَاءِ أَيْسَرُ مِنْ قِتَالِ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ، فَحَمَلُوا عَلَى أَبِي الرَّوَاغِ وَأَصْحَابِهِ حَمْلَةً صَادِقَةً، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَثَبَتَ فِي مِائَةِ فَارِسٍ، فَقَاتَلَهُمْ طَوِيلًا وَهُوَ يَقُولُ:

إِنَّ الْفَتَى كُلَّ الْفَتَى مَنْ لَمْ يُهَلْ ... إِذَا الْجَبَانُ حَادَ عَنْ وَقْعِ الْأَسَلْ

قَدْ عَلِمَتْ أَنِّي إِذَا الْبَأْسُ نَزَلْ ... أَرْوَعُ يَوْمَ الْهَيْجِ مِقْدَامٌ بَطَلْ

ثُمَّ عَطَفَ أَصْحَابُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَصَدَقُوهُمُ الْقِتَالَ حَتَّى أَعَادُوهُمْ إِلَى مَكَانِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى الْمُسْتَوْرِدُ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُمْ إِنْ أَتَاهُمْ مَعْقِلٌ وَمِنْ مَعَهُ هَلَكُوا، فَمَضَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَعَبَرُوا دِجْلَةَ وَوَقَفُوا فِي أَرْضِ بَهُرَسِيرَ وَتَبِعَهُمْ أَبُو الرَّوَاغِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ بِسَابَاطَ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِمْ قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ حُمَاةُ أَصْحَابِ مَعْقِلٍ وَفُرْسَانُهُ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنِّي أَسْبِقُهُمْ إِلَيْهِ بِسَاعَةٍ لَسِرْتُ إِلَيْهِ فَوَاقَعْتُهُ. ثُمَّ أَمَرَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ مَعْقِلٍ، فَسَأَلُوا بَعْضَ مَنْ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُ نَزَلَ دَيْلَمَايَا وَبَيْنَهُمْ ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ، فَلَمَّا أُخْبِرَ الْمُسْتَوْرِدُ ذَلِكَ رَكِبَ وَرَكِبَ أَصْحَابُهُ وَأَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى جِسْرِ سَابَاطَ، وَهُوَ جِسْرُ نَهْرِ مَلِكٍ، وَهُوَ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي يَلِي الْكُوفَةَ، وَأَبُو الرَّوَاغِ مِنْ جَانِبِ الْمَدَائِنِ، فَقَطَعَ الْمُسْتَوْرِدُ الْجِسْرَ، وَلَمَّا رَآهُمْ أَبُو الرَّوَاغِ قَدْ رَكِبُوا عَبَّى أَصْحَابَهُ وَاعْتَزَلَ إِلَى صَحْرَاءَ بَيْنَ الْمَدَائِنِ وَسَابَاطَ لِيُكُونَ الْقِتَالُ بِهَا وَوَقَفَ يَنْتَظِرُهُمْ، فَلَمَّا قَطَعَ الْمُسْتَوْرِدُ الْجِسْرَ سَارَ إِلَى دَيْلَمَايَا نَحْوَ مَعْقِلٍ لِيُوقِعَ بِهِ، فَانْتَهَى إِلَيْهِ وَأَصْحَابُهُ مُتَفَرِّقُونَ عَنْهُ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّحِيلَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>