يَوْمَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى أَحْضَرَ شُعَيْبٌ الْعَشَاءَ، فَامْتَنَعَ مُوسَى مِنَ الْأَكْلِ، فَقَالَ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لَا نَأْخُذُ عَلَى الْيَسِيرِ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا. فَقَالَ شُعَيْبٌ: لَيْسَ لِذَلِكَ أَطْعَمْتُكَ إِنَّمَا هَذِهِ عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي، فَأَكَلَ، وَازْدَادَتْ رَغْبَةُ شُعَيْبٍ فِي مُوسَى فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ الَّتِي أَحْضَرَتْهُ، وَاسْمُهَا صَفُورَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَأْتِيَهُ بِعَصًا، وَكَانَتْ تِلْكَ الْعَصَا قَدِ اسْتَوْدَعَهَا إِيَّاهُ مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَدَفَعَتْهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهَا أَبُوهَا أَمَرَهَا بِرَدِّهَا، وَالْإِتْيَانِ بِغَيْرِهَا، فَأَلْقَتْهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ غَيْرَهَا، فَلَمْ تَقَعْ بِيَدِهَا سِوَاهَا، وَجَعَلَ يَرْدُدُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ بِيَدِهَا غَيْرُهَا، فَأَخَذَهَا مُوسَى لِيَرْعَى بِهَا فَنَدِمَ أَبُوهَا حَيْثُ أَخَذَهَا وَخَرَجَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهَا مِنْهُ حَيْثُ هِيَ وَدِيعَةٌ، فَلَمَّا رَآهُ مُوسَى يُرِيدُ أَخْذَهَا مِنْهُ مَانَعَهُ، فَحَكَّمَا أَوَّلَ رَجُلٍ يَلْقَاهُمَا، فَأَتَاهُمَا مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَقَضَى بَيْنَهُمَا أَنْ يَضَعَهَا مُوسَى فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ حَمَلَهَا فَهِيَ لَهُ، فَأَلْقَاهَا مُوسَى فَلَمْ يُطِقْ أَبُوهَا حَمْلَهَا وَأَخَذَهَا مُوسَى بِيَدِهِ فَتَرَكَهَا لَهُ، وَكَانَتْ مِنْ عَوْسَجٍ لَهَا شُعْبَتَانِ وَفِي رَأْسِهَا مِحْجَنٌ. وَقِيلَ: كَانَتْ مِنْ آسِ الْجَنَّةِ، حَمَلَهَا آدَمُ مَعَهُ. وَقِيلَ فِي أَخْذِهَا غَيْرُ ذَلِكَ.
وَأَقَامَ مُوسَى عِنْدَ شُعَيْبٍ يَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَسَارَ بِأَهْلِهِ فِي زَمَنِ شِتَاءٍ وَبَرْدٍ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِمُوسَى كَرَامَتَهُ، وَابْتِدَاءَهُ فِيهَا بِنُبُوَّتِهِ، وَكَلَامِهِ أَخْطَأَ فِيهَا الطَّرِيقَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ حَامِلًا، فَأَخَذَهَا الطَّلْقُ فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ ذَاتِ مَطَرٍ، وَرَعْدٍ، وَبَرْقٍ، فَأَخْرَجَ زَنْدَهُ لِيَقْدَحَ نَارًا لِأَهْلِهِ لِيَصْطَلُوا وَيَبِيتُوا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَعْلَمَ وَجْهَ طَرِيقِهِ، فَأَصْلَدَ زَنْدَهُ فَقَدَحَ حَتَّى أَعْيَا، فَرُفِعَتْ لَهُ نَارٌ، فَلَمَّا رَآهَا ظَنَّ أَنَّهَا نَارٌ، وَكَانَتْ مِنْ نُورِ اللَّهِ، فَـ {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} [القصص: ٢٩] ، فَإِنْ لَمْ أَجِدْ خَبَرًا {آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل: ٧] . فَحِينَ قَصَدَهَا رَآهَا نُورًا مُمْتَدًّا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ الْعَوْسَجِ، وَقِيلَ مِنَ الْعُنَّابِ، فَتَحَيَّرَ مُوسَى وَخَافَ حِينَ رَأَى نَارًا عَظِيمَةً بِغَيْرِ دُخَانٍ وَهِيَ تَلْتَهِبُ فِي شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا تَزْدَادُ النَّارُ إِلَّا عِظَمًا، وَلَا تَزْدَادُ الشَّجَرَةُ إِلَّا خُضْرَةً، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا اسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَفَزِعَ وَرَجَعَ، فَنُودِيَ مِنْهَا، فَلَمَّا سَمِعَ الصَّوْتَ اسْتَأْنَسَ فَعَادَ، {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} [القصص: ٣٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute