بِإِحْضَارِهِمَا:
فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ قَالَ الْخَثْعَمِيُّ: اللَّهَ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ! فَإِنَّكَ مَنْقُولٌ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ الزَّائِلَةِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ الدَّائِمَةِ، ثُمَّ مَسْئُولٌ عَمَّا أَرَدْتَ بِسَفْكِ دِمَائِنَا! فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ؟ قَالَ: أَقُولُ فِيهِ قَوْلَكَ: قَالَ: أَتَبَرَّأُ مِنْ دِينِ عَلِيٍّ الَّذِي يَدِينُ اللَّهَ بِهِ؟ فَسَكَتَ، وَقَامَ شَمِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ بَنِي قُحَافَةَ (بْنِ خَثْعَمَ) فَاسْتَوْهَبَهُ، فَوَهَبَهُ لَهُ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْكُوفَةَ، فَاخْتَارَ الْمَوْصِلَ، فَكَانَ يَقُولُ: لَوْ مَاتَ مُعَاوِيَةُ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَمَاتَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ بِشَهْرٍ:
ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ: يَا أَخَا رَبِيعَةَ مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ؟ قَالَ دَعْنِي وَلَا تَسْأَلْنِي فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ:
قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدَعُكَ:
قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهُ تَعَالَى كَثِيرًا، مِنَ الْآمِرِينَ بِالْحَقِّ وَالْقَائِمَيْنِ بِالْقِسْطِ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ:
قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عُثْمَانَ؟ قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَحَ أَبْوَابَ الظُّلْمِ، وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْحَقِّ:
قَالَ: قَتَلْتَ نَفْسَكَ! قَالَ: بَلْ إِيَّاكَ قَتَلْتُ، وَلَا رَبِيعَةَ بِالْوَادِي، يَعْنِي لِيَشْفَعُوا فِيهِ، فَرَدَّهُ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ وَأَمْرَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ شَرَّ قِتْلَةٍ، فَدَفَنَهُ حَيًّا.
فَكَانَ الَّذِينَ قُتِلُوا: حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَشَرِيكُ بْنُ شَدَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ، وَصَيْفِيُّ بْنُ فَسِيلٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ضُبَيْعَةَ الْعَبْسِيُّ، وَمُحْرِزُ بْنُ شِهَابٍ السَّعْدِيُّ التَّمِيمِيُّ، وَكِدَامُ بْنُ حَيَّانَ الْعَنْزِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْزِيُّ الَّذِي دَفَنَهُ زِيَادٌ حَيًّا، فَهَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ قُتِلُوا وَدُفِنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ.
قِيلَ: وَلَمَّا بَلَغَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ قَتْلُ حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ: صَلَّوْا عَلَيْهِمْ وَكَفَّنُوهُمْ وَدَفَنُوهُمْ وَاسْتَقْبَلُوا بِهِمُ الْقِبْلَةَ؟ قَالُوا نَعَمْ.
قَالَ حَجَّوْهُمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!
وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّكُونِيُّ فَحِينَ لَمْ يُشَفِّعْهُ مُعَاوِيَةُ فِي حُجْرٍ جَمَعَ قَوْمَهُ وَسَارَ بِهِمْ إِلَى عَذْرَاءَ لِيُخَلِّصَ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ، فَلَقِيَتْهُ قَتَلَتُهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَلِمُوا أَنَّهُ جَاءَ لِيُخَلِّصَ حُجْرًا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا وَرَاءَكُمْ؟
قَالُوا: قَدْ تَابَ الْقَوْمُ وَجِئْنَا لِنُخْبِرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
فَسَكَتَ وَسَارَ إِلَى عَذْرَاءَ، فَلَقِيَهُ بَعْضُ مَنْ جَاءَ مِنْهَا فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ الْقَوْمِ، فَأَرْسَلَ الْخَيْلَ فِي إِثْرِ قَتَلَتِهِمْ فَلَمْ يُدْرِكُوهُمْ، وَدَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا هِيَ حَرَارَةٌ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ وَكَأَنَّهَا طُفِئَتْ، وَعَادَ مَالِكٌ إِلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَأْتِ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أُشَفِّعَكَ إِلَّا خَوْفًا أَنْ يُعِيدُوا لَنَا حَرْبًا، فَيَكُونَ