فَتَرَكَهُ لَهُ وَشَفَعَ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ فِي عُتْبَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ فَتَرَكَهُ، وَشَفَعَ حُمْرَةُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيُّ فِي سَعْدِ بْنِ نَمِرَانَ فَوَهَبَهُ لَهُ، (وَشَفَعَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي ابْنِ حَوِيَّةَ فَتَرَكَهُ لَهُ) ، وَقَامَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّكُونِيُّ فَقَالَ: دَعْ لِيَ ابْنَ عَمِّي حُجْرًا. فَقَالَ لَهُ: هُوَ رَأْسُ الْقَوْمِ وَأَخَافُ إِنْ خَلَّيْتُ سَبِيلَهُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ مِصْرَهُ فَنَحْتَاجُ أَنْ نُشْخِصَكَ إِلَيْهِ بِالْعِرَاقِ:
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْصَفْتَنِي يَا مُعَاوِيَةُ! قَاتَلْتُ مَعَكَ ابْنَ عَمِّكَ يَوْمَ صِفِّينَ حَتَّى ظَفِرْتَ، وَعَلَا كَعْبُكَ وَلَمْ تَخَفِ الدَّوَائِرَ، ثُمَّ سَأَلْتُكَ ابْنَ عَمِّي فَمَنَعْتَنِي! ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ.
فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بْنَ فَيَّاضٍ الْقُضَاعِيَّ، وَالْحُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيَّ، وَأَبَا شَرِيفٍ الْبَدِّيَّ إِلَى حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ لِيَقْتُلُوا مَنْ أُمِرُوا بِقَتْلِهِ مِنْهُمْ، فَأَتَوْهُمُ عِنْدَ الْمَسَاءِ:
فَلَمَّا رَأَى الْخَثْعَمِيُّ أَحَدَهُمْ أَعْوَرَ قَالَ: يَقْتُلُ نِصْفَنَا وَيَتْرُكُ نِصْفَنَا، فَتَرَكُوا سِتَّةً وَقَتَلُوا ثَمَانِيَةً، وَقَالُوا لَهُمْ قَبْلَ الْقَتْلِ: إِنَّا قَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَعْرِضَ عَلَيْكُمُ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَلِيٍّ وَاللَّعْنَ لَهُ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ تَرَكْنَاكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ قَتَلْنَاكُمْ:
فَقَالُوا: لَسْنَا فَاعِلِي ذَلِكَ. فَأَمَرَ فَحُفِرَتِ الْقُبُورُ وَأُحْضِرَتِ الْأَكْفَانُ وَقَامَ حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ عَامَّةَ اللَّيْلِ:
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَدَّمُوهُمْ لِيَقْتُلُوهُمْ فَقَالَ لَهُمْ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ: اتْرُكُونِي أَتَوَضَّأُ وَأُصَلِّي فَإِنِّي مَا تَوَضَّأْتُ إِلَّا صَلَّيْتُ، فَتَرَكُوهُ، فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، وَلَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا فِيَّ جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْهَا:
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعْدِيكَ عَلَى أُمَّتِنَا! فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَهِدُوا عَلَيْنَا، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَقْتُلُونَنَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي بِهَا فَإِنِّي لَأَوَّلُ فَارِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هَلَكَ فِي وَادِيهَا، وَأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَبَحَتْهُ كِلَابُهَا! ثُمَّ مَشَى إِلَيْهِ هُدْبَةُ بْنُ فَيَّاضٍ بِالسَّيْفِ فَارْتَعَدَ، فَقَالُوا لَهُ: زَعَمْتَ أَنَّكَ لَا تَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ، فَابْرَأْ مِنْ صَاحِبِكَ وَنَدَعُكَ:
فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَجْزَعُ وَأَرَى قَبْرًا مَحْفُورًا، وَكَفَنًا مَنْشُورًا، وَسَيْفًا مَشْهُورًا! وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ جَزِعْتُ مِنَ الْقَتْلِ لَا أَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ. فَقَتَلُوهُ وَقَتَلُوا سِتَّةً.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْزِيَّ وَكَرِيمٌ الْخَثْعَمِيُّ: ابْعَثُوا بِنَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَنَحْنُ نَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مِثْلَ مَقَالَتِهِ:
فَاسْتَأْذَنُوا مُعَاوِيَةَ فِيهِمَا، فَأَذِنَ