{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: ٣٥] .
فَأَقْبَلَ مُوسَى إِلَى أَهْلِهِ فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ مِصْرَ حَتَّى أَتَاهَا لَيْلًا، فَتَضَيَّفَ عَلَى أُمِّهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُمْ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، فَجَاءَ هَارُونُ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ ضَيْفٌ، فَدَعَاهُ فَأَكَلَ مَعَهُ، وَسَأَلَهُ هَارُونُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. فَاعْتَنَقَا.
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَرَكَ مُوسَى سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ: أَجِبْ رَبَّكَ فِيمَا كَلَّمَكَ. فَقَالَ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: ٢٥] الْآيَاتِ. فَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُهُ مَكَانَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا فَعَلَ حَتَّى مَرَّ رَاعٍ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ فَعَرَفَهُمْ فَاحْتَمَلَهُمْ إِلَى مَدْيَنَ، فَكَانُوا عِنْدَ شُعَيْبٍ حَتَّى بَلَغَهُمْ خَبَرُ مُوسَى بَعْدَمَا فَلَقَ الْبَحْرَ، فَسَارُوا إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مُوسَى فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى مِصْرَ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَارُونَ يُعْلِمُهُ بِقُفُولِ مُوسَى وَيَأْمُرُهُ بِتَلَقِّيهِ، فَخَرَجَ مِنْ مِصْرَ فَالْتَقَى بِهِ، قَالَ مُوسَى: يَا هَارُونُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَرْسَلَنَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَانْطَلِقْ مَعِي إِلَيْهِ. قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى بَيْتِ هَارُونَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُمَا يَنْطَلِقَانِ إِلَى فِرْعَوْنَ سَمِعَتْ ذَلِكَ ابْنَةُ هَارُونَ فَصَاحَتْ أُمُّهُمَا فَقَالَتْ: أُنْشِدُكُمَا اللَّهَ أَنْ لَا تَذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَيَقْتُلَكُمَا جَمِيعًا! فَأَبَيَا فَانْطَلَقَا إِلَيْهِ لَيْلًا، فَضَرَبَا بَابَهُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِبَوَّابِهِ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَضْرِبُ بَابِي هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْا الْبَوَّابُ فَكَلَّمَهُمَا، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا رَسُولَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأَخْبَرَ فِرْعَوْنَ، فَأُدْخِلَا إِلَيْهِ.
وَقِيلَ إِنَّ مُوسَى وَهَارُونَ مَكَثَا سَنَتَيْنِ يَغْدُوَانِ إِلَى بَابِ فِرْعَوْنَ وَيَرُوحَانِ يَلْتَمِسَانِ الدُّخُولَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ يُخْبِرُهُ بِشَأْنِهِمَا، حَتَّى أَخْبَرَهُ مَسْخَرَةٌ كَانَ يُضْحِكُهُ بِقَوْلِهِ، فَأَمَرَ حِينَئِذٍ فِرْعَوْنُ بِإِدْخَالِهِمَا. فَلَمَّا دَخَلَا قَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ١٠٤] . فَعَرَفَهُ فِرْعَوْنُ، فَقَالَ لَهُ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ - وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ - قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ - فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشعراء: ١٨ - ٢١]- يَعْنِي النُّبُوَّةَ - {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ٢١] . فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ - فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف: ١٠٦ - ١٠٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute