للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ ذَكَرَ يَزِيدَ وَفَضْلَهُ وَعِلْمَهُ بِالسِّيَاسَةِ وَعَرَّضَ بِبَيْعَتِهِ، فَعَارَضَهُ الضَّحَّاكُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ وَالٍ بَعْدَكَ، وَقَدْ بَلَوْنَا الْجَمَاعَةَ وَالْأُلْفَةَ، فَوَجَدْنَاهُمَا أَحْقَنَ لِلدِّمَاءِ، وَأَصْلَحَ لِلدَّهْمَاءِ، وَآمَنَ لِلسُّبُلِ، وَخَيْرًا فِي الْعَاقِبَةِ، وَالْأَيَّامُ عِوَجٌ رَوَاجِعٌ، وَاللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ، وَيَزِيدُ ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي حُسْنِ هَدْيِهِ وَقَصْدِ سِيرَتِهِ عَلَى مَا عَلِمْتُ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِنَا عِلْمًا وَحِلْمًا، وَأَبْعَدِنَا رَأْيًا، فَوَلِّهِ عَهْدَكَ وَاجْعَلْهُ لَنَا عَلَمًا بَعْدَكَ وَمَفْزَعًا نَلْجَأُ إِلَيْهِ وَنَسْكُنُ فِي ظِلِّهِ.

وَتَكَلَّمَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْأَشْدَقُ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ:

ثُمَّ قَامَ يَزِيدُ بْنُ الْمُقَنَّعِ الْعُذْرِيُّ فَقَالَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَإِنْ هَلَكَ فَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى يَزِيدَ، وَمَنْ أَبَى فَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى سَيْفِهِ:

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اجْلِسْ فَأَنْتَ سَيِّدُ الْخُطَبَاءِ. وَتَكَلَّمَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْوُفُودِ.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْأَحْنَفِ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا بَحْرٍ؟ فَقَالَ: نَخَافُكُمْ إِنْ صَدَقْنَا، وَنَخَافُ اللَّهَ إِنْ كَذَبْنَا، وَأَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِيَزِيدَ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَمَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْأُمَّةِ رِضًى فَلَا تُشَاوِرِ [النَّاسَ] فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا تُزَوِّدْهُ وَأَنْتَ صَائِرٌ إِلَى الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ: مَا نَدْرِي مَا تَقُولُ هَذِهِ الْمَعَدِّيَةُ الْعِرَاقِيَّةُ وَإِنَّمَا عِنْدَنَا سَمْعٌ وَطَاعَةٌ وَضَرْبٌ وَازْدِلَافٌ.

فَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَحْكُونَ قَوْلَ الْأَحْنَفِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُعْطِي الْمُقَارِبَ وَيُدَارِي الْمُبَاعِدَ وَيَلْطُفُ بِهِ حَتَّى اسْتَوْثَقَ لَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَبَايَعَهُ. فَلَمَّا بَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ سَارَ إِلَى الْحِجَازِ فِي أَلْفِ فَارِسٍ، لَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ أَوَّلَ النَّاسِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا! بَدَنَةٌ بِتَرَقْرُقِ دَمِهَا وَاللَّهُ مُهَرِيقُهُ! قَالَ: مَهْلًا فَإِنِّي وَاللَّهِ لَسْتُ بِأَهْلٍ لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ! قَالَ: بَلَى وَلَشَرٌّ مِنْهَا:

وَلَقِيَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا خَبَّ ضَبٌّ تَلْعَةٌ، يُدْخِلُ رَأْسَهُ وَيَضْرِبُ بِذَنَبِهِ، وَيُوشِكُ وَاللَّهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِذَنَبِهِ، وَيُدَقَّ ظَهْرُهُ، نَحِّيَاهُ عَنِّي، فَضُرِبَ وَجْهُ رَاحِلَتِهِ:

ثُمَّ لَقِيَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>