للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَهْلًا وَلَا مَرْحَبًا! شَيْخٌ قَدْ خَرِفَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ، ثُمَّ أَمَرَ فَضُرَبَ وَجْهَ رَاحِلَتِهِ:

ثُمَّ فَعَلَ بِابْنِ عُمَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلُوا مَعَهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَحَضَرُوا بَابَهُ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ عَلَى مَنَازِلِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا مِنْهُ مَا يُحِبُّونَ، فَخَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامُوا بِهَا، وَخَطَبَ مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ فَذَكَرَ يَزِيدَ فَمَدَحَهُ وَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْخِلَافَةِ فِي فَضْلِهِ وَعَقْلِهِ وَمَوْضِعِهِ؟ وَمَا أَظُنُّ قَوْمًا بِمُنْتَهِينَ حَتَّى تُصِيبَهُمْ بَوَائِقُ تَجْتَثُّ أُصُولَهُمْ، وَقَدْ أَنْذَرْتُ إِنْ أَغْنَتِ النُّذُرُ، ثُمَّ أَنْشَدَ مُتَمَثِّلًا:

قَدْ كُنْتُ حَذَّرْتُكَ آلَ الْمُصْطَلِقْ ... وَقُلْتُ يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَانْطَلِقْ

إِنَّكَ إِنْ كَلَّفْتَنِي مَا لَمْ أُطِقْ ... سَاءَكَ مَا سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقٍ

دُونَكَ مَا اسْتَسْقَيْتَهُ فَاحْسُ وَذُقْ

ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَقَدْ بَلَغَهَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْحُسَيْنَ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُبَايِعُوا، فَشَكَاهُمْ إِلَيْهَا، فَوَعَظَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَتَهَدُّهُمْ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنِّي بَايَعْتُ لِيَزِيدَ وَبَايَعَهُ غَيْرُهُمْ، أَفَتَرَيْنَ أَنْ أَنْقُضَ بَيْعَةً قَدْ تَمَّتْ؟ قَالَتْ: فَارْفُقْ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ:

قَالَ: أَفْعَلُ.

وَكَانَ فِي قَوْلِهَا لَهُ: مَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ أُقْعِدَ لَكَ رَجُلًا يَقْتُلُكَ وَقَدْ فَعَلْتَ بِأَخِي مَا فَعَلْتَ؟ تَعْنِي أَخَاهَا مُحَمَّدًا.

فَقَالَ لَهَا: كَلَّا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي فِي بَيْتِ أَمْنٍ. قَالَتْ: أَجَلْ.

وَمَكَثَ بِالْمَدِينَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَلَقِيَهُ النَّاسُ، فَقَالَ أُولَئِكَ النَّفَرُ: نَتَلَقَّاهُ فَلَعَلَّهُ قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَلَقُوهُ بِبَطْنِ مَرَّ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُ الْحُسَيْنُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَسَيِّدَ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَ لَهُ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ وَسَايَرَهُ، ثُمَّ فَعَلَ بِالْبَاقِينَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقْبَلَ يُسَايِرُهُمْ لَا يَسِيرُ مَعَهُ غَيْرُهُمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَكَانُوا أَوَّلَ دَاخِلٍ وَآخَرَ خَارِجٍ، وَلَا يَمْضِي يَوْمٌ إِلَّا وَلَهُمْ صِلَةٌ وَلَا يَذْكُرُ لَهُمْ شَيْئًا، حَتَّى قَضَى نُسُكَهُ وَحَمَلَ أَثْقَالَهُ وَقَرُبَ مَسِيرُهُ فَقَالَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ لِبَعْضٍ: لَا تُخْدَعُوا فَمَا صَنَعَ بِكُمْ هَذَا لِحُبِّكُمْ وَمَا صَنَعَهُ إِلَّا لِمَا يُرِيدُ:

فَأَعِدُّوا لَهُ جَوَابًا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطِبُ لَهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ.

فَأَحْضَرَهُمْ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ سِيرَتِي وَصِلَتِي لِأَرْحَامِكُمْ وَحَمْلِي مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>