ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ وَفَدَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ زُيِّنَتْ لَهُ الطَّرِيقُ بِقِبَابِ الرَّيْحَانِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، فَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ أُخْتُهُ أُمُّ الْحَكَمِ، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَخٍ بَخٍ! هَذَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ.
قَالَتْ: لَا مَرْحَبًا، تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ! فَسَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكِ يَا أُمَّ الْحَكَمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ تَزَوَّجْتِ فَمَا أُكْرِمْتِ، وَوَلَدْتِ فَمَا أَنْجَبْتِ، أَرَدْتِ أَنْ يَلِيَ ابْنُكِ الْفَاسِقُ عَلَيْنَا فَيَسِيرَ فِينَا كَمَا سَارَ فِي إِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُرِيَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَضَرَبْنَاهُ ضَرْبًا يُطَأْطِئُ مِنْهُ وَلَوْ كَرِهَ هَذَا الْقَاعِدُ، يَعْنِي خَالَهُ مُعَاوِيَةَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: كُفِّي، فَكَفَّتْ.
ذِكْرُ خُرُوجِ طَوَّافِ بْنِ غَلَّاقٍ
كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْخَوَارِجِ بِالْبَصْرَةِ يَجْتَمِعُونَ إِلَى رَجُلٍ اسْمُهُ جِدَارٌ فَيَتَحَدَّثُونَ عِنْدَهُ وَيَعِيبُونَ السُّلْطَانَ، فَأَخَذَهُمُ ابْنُ زِيَادٍ فَحَبَسَهُمْ ثُمَّ دَعَا بِهِمْ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُخَلِّيَ سَبِيلَ الْقَاتِلِينَ، فَفَعَلُوا، فَأَطْلَقَهُمْ، وَكَانَ مِمَّنْ قَتَلَ طَوَّافٌ، فَعَذَلَهُمْ أَصْحَابُهُمْ وَقَالُوا: قَتَلْتُمْ إِخْوَانَكُمْ! قَالُوا: أُكْرِهْنَا وَقَدْ يُكْرَهُ الرَّجُلُ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ مُطَمْئِنٌ بِالْإِيمَانِ.
وَنَدِمَ طَوَّافٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ طَوَّافٌ: أَمَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَكَانُوا يَبْكُونَ، وَعَرَضُوا عَلَى أَوْلِيَاءِ مَنْ قَتَلُوا الدِّيَةَ فَأَبَوْا، وَعَرَضُوا عَلَيْهِمُ الْقَوَدَ فَأَبَوْا وَلَقِيَ طَوَّافٌ الْهَثْهَاتَ بْنَ ثَوْرٍ السَّدُوسِيَّ فَقَالَ لَهُ: أَمَا تَرَى لَنَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: مَا أَجِدُ لَكَ إِلَّا آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، قَوْلَهُ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١١٠] . فَدَعَا طَوَّافٌ أَصْحَابَهُ إِلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى أَنْ يَفْتِكُوا بِابْنِ زِيَادٍ، فَبَايَعُوهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْبَصْرَةِ، فَسَعَى بِهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِمْ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ طَوَّافًا فَعَجَّلَ الْخُرُوجَ، فَخَرَجُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute