للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ لَيْلَتِهِمْ فَقَتَلُوا رَجُلًا، وَمَضَوْا إِلَى الْجَلْجَاءِ، فَنَدَبَ ابْنُ زِيَادٍ الشُّرَطَ الْبُخَارِيَّةَ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَانْهَزَمَ الشُّرَطُ حَتَّى دَخَلُوا الْبَصْرَةَ وَاتَّبَعُوهُمْ، وَذَلِكَ يَوْمُ عِيدِ الْفِطْرِ، وَكَثَّرَهُمُ النَّاسُ فَقَاتَلُوا فَقُتِلُوا، وَبَقِيَ طَوَّافٌ فِي سِتَّةِ نَفَرٍ، وَعَطِشَ فَرَسُهُ فَأَقْحَمَهُ الْمَاءَ، فَرَمَاهُ الْبُخَارِيَّةُ بِالنُّشَّابِ حَتَّى قَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، ثُمَّ دَفَنَهُ أَهْلُهُ، فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْهُمْ:

يَا رَبِّ هَبْ لِي التُّقَى وَالصِّدْقَ فِي ثَبَتٍ ... وَاكْفِ الْمُهِمَّ فَأَنْتَ الرَّازِقُ الْكَافِي

حَتَّى أَبِيعَ الَّتِي تَفْنَى بِآخِرَةٍ ... تَبْقَى عَلَى دِينِ مِرْدَاسٍ وَطَوَّافِ

وَكَهْمَسٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ إِذْ نَفَرُوا ... إِلَى الْإِلَهِ ذَوِي أَخْبَابِ زَحَّافِ

ذِكْرُ قَتْلِ عُرْوَةَ ابْنِ أُدَيَّةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ عَلَى الْخَوَارِجِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً كَثِيرَةً، مِنْهُمْ: عُرْوَةُ ابْنُ أُدَيَّةَ أَخُو أَبِي بِلَالٍ مِرْدَاسِ ابْنِ أُدَيَّةَ، وَأُدَيَّةُ أُمُّهُمَا، وَأَبُوهُمَا حُدَيْرٌ، وَهُوَ تَمِيمِيٌّ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ كَانَ قَدْ خَرَجَ فِي رِهَانٍ لَهُ، فَلَمَّا جَلَسَ يَنْتَظِرُ الْخَيْلَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَفِيهِمْ عُرْوَةُ، فَأَقْبَلَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ يَعِظُهُ، وَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ - وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ - وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: ١٢٨ - ١٣٠] . فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ ظَنَّ ابْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إِلَّا وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَامَ وَرَكِبَ وَتَرَكَ رِهَانَهُ:

فَقِيلَ لِعُرْوَةَ: لَيَقْتُلَنَّكَ! فَاخْتَفِي، فَطَلَبَهُ ابْنُ زِيَادٍ فَهَرَبَ وَأَتَى الْكُوفَةَ، فَأُخِذَ وَقُدِمَ بِهِ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ ابْنَتَهُ.

وَأَمَّا أَخُوهُ أَبُو بِلَالٍ مِرْدَاسٌ فَكَانَ عَابِدًا مُجْتَهِدًا عَظِيمَ الْقَدْرِ فِي الْخَوَارِجِ، وَشَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ فَأَنْكَرَ التَّحْكِيمَ، وَشَهِدَ النَّهْرَوَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ، وَكَانَتِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا تَتَوَلَّاهُ، وَرَأَى عَلَى ابْنِ عَامِرٍ قَبَاءً أَنْكَرَهُ فَقَالَ: هَذَا لِبَاسُ الْفُسَّاقِ! فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: لَا تَقُلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>