للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا لِلسُّلْطَانِ فَإِنَّ مَنْ أَبْغَضَ السُّلْطَانَ أَبْغَضَهُ اللَّهُ، وَكَانَ لَا يَدِينُ بِالِاسْتِعْرَاضِ، وَيُحَرِّمُ خُرُوجَ النِّسَاءِ، وَيَقُولُ لَا نُقَاتِلُ إِلَّا مَنْ قَاتَلَنَا وَلَا نَجْبِي إِلَّا مَنْ حَمَيْنَا.

وَكَانَتِ الْبَثْجَاءُ، امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ، تُحَرِّضُ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ وَتَذْكُرُ تَجَبُّرَهُ وَسُوءَ سِيرَتِهِ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُجْتَهِدَاتِ، فَذَكَرَهَا ابْنُ زِيَادٍ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بِلَالٍ: إِنَّ التَّقِيَّةَ لَا بَأْسَ بِهَا فَتَغَيَّبِي فَإِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ قَدْ ذَكَرَكِ. قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يَلْقَى أَحَدٌ بِسَبَبِي مَكْرُوهًا.

فَأَخَذَهَا ابْنُ زِيَادٍ فَقَطَعَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، فَمَرَّ بِهَا أَبُو بِلَالٍ فِي السُّوقِ فَعَضَّ عَلَى لِحْيَتِهِ وَقَالَ: أَهَذِهِ أَطْيَبُ نَفْسًا بِالْمَوْتِ مِنْكَ يَا مِرْدَاسُ؟ مَا مِيتَةٌ أُمُوتُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِيتَةِ الْبَثْجَاءِ! وَمَرَّ أَبُو بِلَالٍ بِبَعِيرٍ قَدْ طُلِيَ بِقَطِرَانٍ فَغُشِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَتَلَا: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: ٥٠] .

ثُمَّ إِنَّ ابْنَ زِيَادٍ أَلَحَّ فِي طَلَبِ الْخَوَارِجِ فَمَلَأَ مِنْهُمُ السِّجْنَ وَأَخَذَ النَّاسَ بِسَبَبِهِمْ وَحَبَسَ أَبَا بِلَالٍ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ عُرْوَةَ، فَرَأَى السَّجَّانُ عِبَادَتَهُ فَأَذِنَ لَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي إِتْيَانِ أَهْلِهِ، فَكَانَ يَأْتِيهِمْ لَيْلًا وَيَعُودُ مَعَ الصُّبْحِ، وَكَانَ صَدِيقٌ لِمِرْدَاسٍ يُسَامِرُ ابْنَ زِيَادٍ، فَذَكَرَ ابْنُ زِيَادٍ الْخَوَارِجَ لَيْلَةً فَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِمْ، فَانْطَلَقَ صَدِيقُ مِرْدَاسٍ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ الْخَبَرَ، وَبَاتَ السَّجَّانُ بِلَيْلَةِ سُوءٍ خَوْفًا أَنْ يَعْلَمَ مِرْدَاسٌ فَلَا يَرْجِعُ، فَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَعُودُ فِيهِ إِذَا بِهِ قَدْ أَتَى، فَقَالَ لَهُ السَّجَّانُ: أَمَا بَلَغَكَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ الْأَمِيرُ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: ثُمَّ جِئْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَكُنْ جَزَاؤُكَ مِنِّي مَعَ إِحْسَانِكَ إِلَيَّ أَنْ تُعَاقَبَ.

وَأَصْبَحَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَتَلَ الْخَوَارِجَ، فَلَمَّا أُحْضِرَ مِرْدَاسٌ قَامَ السَّجَّانُ، وَكَانَ ظِئْرًا لِعُبَيْدِ اللَّهِ، فَشَفَعَ فِيهِ وَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَوَهَبَهُ لَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.

ثُمَّ إِنَّهُ خَافَ ابْنَ زِيَادٍ فَخَرَجَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا إِلَى الْأَهْوَازِ، فَكَانَ إِذَا اجْتَازَ بِهِ مَالٌ أَخَذَ مِنْهُ عَطَاءَهُ وَعَطَاءَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَرُدُّ الْبَاقِي، فَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ زِيَادٍ خَبَرَهُمْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا عَلَيْهِمْ أَسْلَمُ بْنُ زُرْعَةَ الْكِلَابِيُّ سَنَةَ سِتِّينَ، وَقِيلَ: أَبُو حُصَيْنٍ التَّمِيمِيُّ، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفَيْ رَجُلٍ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى أَبِي بِلَالٍ نَاشَدَهُمُ اللَّهَ أَنْ يُقَاتِلُوهُ فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَدَعَاهُمْ أَسْلَمُ إِلَى مُعَاوَدَةِ الْجَمَاعَةِ، فَقَالُو: أَتَرُدُّونَنَا إِلَى ابْنِ زِيَادٍ الْفَاسِقِ؟ فَرَمَى أَصْحَابُ أَسْلَمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي بِلَالٍ فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ أَبُو بِلَالٍ: قَدْ بَدَءُوكُمْ بِالْقِتَالِ.

فَشَدَّ الْخَوَارِجُ عَلَى أَسْلَمَ وَأَصْحَابِهِ شَدَّةً رَجُلٍ وَاحِدٍ فَهَزَمُوهُمْ فَقَدِمُوا الْبَصْرَةَ، فَلَامَ ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>