للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذِكْرُ عَزْلِ ابْنِ زِيَادٍ عَنِ الْبَصْرَةِ وَعَوْدِهِ إِلَيْهَا

فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ مُعَاوِيَةُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَنِ الْبَصْرَةِ وَأَعَادَهُ إِلَيْهَا.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي وُجُوهِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَفِيهِمُ الْأَحْنَفُ، وَكَانَ سَيِّئَ الْمَنْزِلَةِ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا رَحَّبَ مُعَاوِيَةُ بِالْأَحْنَفِ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَأَحْسَنَ الْقَوْمُ الثَّنَاءَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا لَكَ يَا أَبَا بَحْرٍ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: إِنْ تَكَلَّمْتُ خَالَفْتُ الْقَوْمَ.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: انْهَضُوا فَقَدْ عَزَلْتُهُ عَنْكُمْ وَاطْلُبُوا وَالِيًا تَرْضَوْنَهُ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا أَتَى رَجُلًا مَنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْأَحْنَفُ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدًا، فَلَبِثُوا أَيَّامًا، ثُمَّ جَمَعَهُمْ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ لَهُمْ: مَنِ اخْتَرْتُمْ؟ فَاخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ، فَقَالَ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: إِنْ وَلَّيْتَ عَلَيْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ لَمْ نَعْدِلْ بِعُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدًا، وَإِنْ وَلَّيْتَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ.

فَرَدَّهُ مُعَاوِيَةُ عَلَيْهِمْ وَأَوْصَاهُ بِالْأَحْنَفِ وَقَبَّحَ رَأْيَهُ فِي مُبَاعَدَتِهِ، فَلَمَّا هَاجَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَفِ لَهُ غَيْرُ الْأَحْنَفِ.

ذِكْرُ هِجَاءِ يَزِيدَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيِّ بَنِي زِيَادٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ

كَانَ يَزِيدُ بْنُ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيُّ مَعَ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ بِسِجِسْتَانَ، فَاشْتَغَلَ عَنْهُ بِحَرْبِ التُّرْكِ، فَاسْتَبْطَأَهُ ابْنُ مُفَرِّغٍ، وَأَصَابَ الْجُنْدَ الَّذِينَ مَعَ عَبَّادٍ ضِيقٌ فِي عُلُوفَاتِ دَوَابِّهِمْ، فَقَالَ ابْنُ مُفَرِّغٍ:

أَلَا لَيْتَ اللِّحَى كَانَتْ حَشِيشًا ... فَنَعْلِفَهَا خُيُولَ الْمُسْلَمِينَا

وَكَانَ عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ، فَقِيلَ: مَا أَرَادَ غَيْرَكَ. فَطُلِبَ فَهَرَبَ مِنْهُ وَهَجَاهُ بِقَصَائِدَ، وَكَانَ مِمَّا هَجَاهُ بِهِ قَوْلُهُ:

إِذَا أَوْدَى مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْبٍ ... فَبَشِّرْ شَعْبَ رَحْلِكَ بِانْصِدَاعِ

فَأَشْهِدْ أَنَّ أُمَّكَ لَمْ تُبَاشِرْ ... أَبَا سُفْيَانَ وَاضِعَةَ الْقِنَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>