فَإِنْ سَأَلُوكَ أَنْ تَعْزِلَ عَنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَامِلًا فَافْعَلْ، فَإِنَّ عَزْلَ عَامِلٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يُشْهَرَ عَلَيْكَ مِائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ، وَانْظُرْ أَهْلَ الشَّامِ فَلْيَكُونُوا بِطَانَتَكَ وَعَيْبَتَكَ، فَإِنْ رَابَكَ مَنْ عَدُّوِكَ شَيْءٌ فَانْتَصِرْ بِهِمْ، فَإِذَا أَصَبْتَهُمْ فَارْدُدْ أَهْلَ الشَّامِ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَقَامُوا بِغَيْرِ بِلَادِهِمْ تَغَيَّرَتْ أَخْلَاقُهُمْ، وَإِنِّي لَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ يُنَازِعَكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ قَدْ وَقَذَتْهُ الْعِبَادَةُ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ غَيْرُهُ بَايَعَكَ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَهُوَ رَجُلٌ خَفِيفٌ وَلَنْ يَتْرُكَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ حَتَّى يُخْرِجُوهُ، فَإِنْ خَرَجَ وَظَفِرْتَ بِهِ فَاصْفَحْ عَنْهُ، فَإِنَّ لَهُ رَحِمًا مَاسَّةً وَحَقًّا عَظِيمًا وَقَرَابَةً مِنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا ابْنُ أَبِي بَكْرٍ فَإِنْ رَأَى أَصْحَابَهُ صَنَعُوا شَيْئًا صَنَعَ مِثْلَهُ، لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا فِي النِّسَاءِ وَاللَّهْوِ، وَأَمَّا الَّذِي يَجْثِمُ لَكَ جُثُومَ الْأَسَدِ وَيُرَاوِغُكَ مُرَاوَغَةَ الثَّعْلَبِ فَإِنْ أَمْكَنَتْهُ فُرْصَةٌ وَثَبَ فَذَاكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَإِنْ هُوَ فَعَلَهَا بِكَ فَظَفِرْتَ بِهِ فَقَطِّعْهُ إِرَبًا إِرَبًا، وَاحْقِنْ دِمَاءَ قَوْمِكَ مَا اسْتَطَعْتَ.
هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذُكِرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ يَزِيدَ كَانَ غَائِبًا فِي مَرَضِ أَبِيهِ وَمَوْتِهِ، وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ أَحْضَرَ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ وَمُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ فَأَمَرَهُمَا أَنْ يُؤَدِّيَا عَنْهُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَى يَزِيدَ ابْنِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
ثُمَّ مَاتَ بِدِمَشْقَ لِهِلَالِ رَجَبٍ، وَقِيلَ لِلنِّصْفِ مِنْهُ، وَقِيلَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ، وَكَانَ مُلْكُهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُذِ اجْتَمَعَ لَهُ الْأَمْرُ وَبَايَعَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقِيلَ كَانَ مُلْكُهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا أَيَّامًا، وَكَانَ عُمُرُهُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ خَمْسٌ وَثَمَانِينَ.
وَقِيلَ: وَلَمَّا اشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ وَأُرْجِفَ بِهِ قَالَ لِأَهْلِهِ: احْشُوا عَيْنِي إِثْمِدًا وَادْهُنُوا رَأْسِي.
فَفَعَلُوا وَبَرَّقُوا وَجْهَهُ بِالدُّهْنِ ثُمَّ مُهِّدَ لَهُ فَجَلَسَ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ، فَسَلَّمُوا قِيَامًا وَلَمْ يَجْلِسْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute