للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدٌ، فَلَمَّا خَرَجُوا عَنْهُ قَالُوا: هُوَ أَصَحُّ النَّاسِ.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ عِنْدِهِ:

وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمْ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ

وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ

وَكَانَ بِهِ نُفَاثَاتٌ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَانِي قَمِيصًا فَحَفِظْتُهُ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ يَوْمًا فَأَخَذْتُ قُلَامَتَهُ فَجَعَلْتُهَا فِي قَارُورَةٍ، فَإِذَا مُتُّ فَأَلْبِسُونِي ذَلِكَ الْقَمِيصَ وَاسْحَقُوا تِلْكَ الْقُلَامَةَ وَذَرُوهَا فِي عَيْنِي وَفَمِي فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَنِي بِبَرَكَتِهَا، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِشِعْرِ الْأَشْهَبِ بْنِ رُمَيْلَةَ النَّهْشَلِيِّ:

إِذَا مُتُّ مَاتَ الْجُودُ وَانْقَطَعَ النَّدَى ... مِنَ النَّاسِ إِلَّا مِنْ قَلِيلٍ مُصَرَّدِ

وَرُدَّتْ أَكُفُّ السَّائِلِينَ وَأَمْسَكُوا ... مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِخُلْفٍ مُجَدَّدِ

فَقَالَتْ إِحْدَى بَنَاتِهِ: كَلَّا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْكَ.

فَقَالَ مُتَمَثِّلًا بِشِعْرِ الْهُذَلِيِّ: وَإِذَا الْمَنِيَّةُ، الْبَيْتَ.

وَقَالَ لِأَهْلِهِ: اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّهُ لَا وَاقِيَ لِمَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ.

ثُمَّ قَضَى وَأَوْصَى أَنْ يُرَدَّ نِصْفُ مَالِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَطِيبَ لَهُ الْبَاقِي لِأَنَّ عُمَرَ قَاسَمَ عُمَّالَهُ، وَأَنْشَدَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ:

إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نِقَاشُكَ يَا رَ ... بِّ عَذَابًا لَا طَوْقَ لِي بِالْعَذَابِ

أَوْ تُجَاوِزْ فَأَنْتَ رَبٌّ صَفُوحٌ ... عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>