للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَهُمَا النِّزَاعُ، فَدَعَا ابْنُ زِيَادٍ مَوْلَاهُ ذَاكَ الْعَيْنَ، فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَعَلِمَ هَانِئٌ أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا عَلَيْهِمْ، فَسَقَطَ فِي يَدِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَاجَعَتْهُ نَفْسُهُ، قَالَ: اسْمَعْ مِنِّي وَصَدِّقْنِي، فَوَاللَّهِ لَا أَكْذِبُكَ، وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُهُ وَلَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ حَتَّى رَأَيْتُهُ جَالِسًا عَلَى بَابِي يَسْأَلُنِي النُّزُولَ عَلَيَّ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَدِّهِ وَلَزِمَنِي مِنْ ذَلِكَ ذِمَامٌ فَأَدْخَلْتُهُ دَارِي وَضِفْتُهُ، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ الَّذِي بَلَغَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتُكَ الْآنَ مَوْثِقًا تَطْمَئِنُّ بِهِ وَرَهِينَةً تَكُونُ فِي يَدِكَ حَتَّى أَنْطَلِقَ وَأُخْرِجَهُ مِنْ دَارِي وَأَعُودَ إِلَيْكَ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ.

لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا حَتَّى تَأْتِيَنِي بِهِ قَالَ: لَا آتِيكَ بِضَيْفِي تَقْتُلُهُ أَبَدًا.

فَلَمَّا كَثُرَ الْكَلَامُ قَامَ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ، وَلَيْسَ بِالْكُوفَةِ شَامِيٌّ وَلَا بَصْرِيٌّ غَيْرُهُ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَإِيَّاهُ حَتَّى أُكَلِّمَهُ، لِمَا رَأَى مِنْ لَجَاجِهِ، وَأَخَذَ هَانِئًا وَخَلَا بِهِ نَاحِيَةً مِنِ ابْنِ زِيَادٍ بِحَيْثُ يَرَاهُمَا، فَقَالَ لَهُ: يَا هَانِئُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَكَ وَتُدْخِلَ الْبَلَاءَ عَلَى قَوْمِكَ! إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ ابْنُ عَمِّ الْقَوْمِ وَلَيْسُوا بِقَاتِلِيهِ وَلَا ضَائِرِيهِ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْكَ بِذَلِكَ مَخْزَاةٌ وَلَا مَنْقَصَةٌ إِنَّمَا تَدْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ! قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ خِزْيًا وَعَارًا، لَا أَدْفَعُ ضَيْفِي وَأَنَا صَحِيحٌ شَدِيدُ السَّاعِدِ كَثِيرُ الْأَعْوَانِ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ وَاحِدًا لَيْسَ لِي نَاصِرٌ لَمْ أَدْفَعْهُ حَتَّى أَمُوتَ دُونَهُ.

فَسَمِعَ ابْنُ زِيَادٍ ذَلِكَ فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي.

فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ.

فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَأْتِيَّنِي بِهِ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ! قَالَ: إِذَنْ وَاللَّهِ تَكْثُرُ الْبَارِقَةُ حَوْلَ دَارِكَ! وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَشِيرَتَهُ سَتَمْنَعُهُ.

فَقَالَ: أَبِالْبَارِقَةِ تُخَوِّفُنِي؟

وَقِيلَ إِنَّ هَانِئًا لَمَّا رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ عَيْنًا لِعُبَيْدِ اللَّهِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ قَدْ كَانَ الَّذِي بَلَغَكَ، وَلَنْ أُضَيِّعَ يَدَكَ عِنْدِي وَأَنْتَ آمِنٌ وَأَهْلُكَ فَسِرْ حَيْثُ شِئْتَ.

فَأَطْرَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَمِهْرَانُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَفِي يَدِهِ مِعْكَزَةٌ، فَقَالَ: وَاذُلَّاهُ! هَذَا الْحَائِكُ يُؤَمِّنُكَ فِي سُلْطَانِكَ! فَقَالَ: خُذْهُ، فَأَخَذَ مِهْرَانُ ضَفِيرَتَيْ هَانِئٍ وَأَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَضِيبَ وَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُ أَنْفَهُ وَجَبِينَهُ وَخَدَّهُ حَتَّى كَسَرَ أَنْفَهُ وَسَيَّلَ الدِّمَاءَ عَلَى ثِيَابِهِ وَنَثَرَ لَحْمَ خَدَّيْهِ وَجَبِينِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ حَتَّى كَسَرَ الْقَضِيبَ، وَضَرَبَ هَانِئٌ يَدَهُ إِلَى قَائِمِ سَيْفِ شُرْطِيٍّ وَجَبَذَهُ فَمُنِعَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَرُورِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>