وَسَأَلَهَا فَلَمْ تُخْبِرْهُ، فَأَلَحَّ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَتْهُ وَاسْتَكْتَمَتْهُ وَأَخَذَتْ عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ بِذَلِكَ، فَسَكَتَ.
وَأَمَّا ابْنُ زِيَادٍ فَلَمَّا لَمْ يَسْمَعِ الْأَصْوَاتَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ مِنْهُمْ أَحَدًا؟ فَنَظَرُوا فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا، فَنَزَلَ إِلَى الْمَسْجِدِ قُبَيْلَ الْعَتَمَةِ وَأَجْلَسَ أَصْحَابَهُ حَوْلَ الْمِنْبَرِ وَأَمَرَ فَنُودِيَ: [أَلَا] بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الشُّرَطِ وَالْعُرَفَاءِ وَالْمَنَاكِبِ وَالْمُقَاتِلَةِ صَلَّى الْعَتَمَةَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ.
فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ السَّفِيهَ الْجَاهِلَ قَدْ أَتَى مَا رَأَيْتُمْ مِنَ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ فَبَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِنْ رَجُلٍ وَجَدْنَاهُ فِي دَارِهِ، وَمَنْ أَتَانَا بِهِ فَلَهُ دِيَتُهُ.
وَأَمَرَهُمْ بِالطَّاعَةِ وَلُزُومِهَا، وَأَمَرَ الْحُصَيْنَ بْنَ تَمِيمٍ أَنْ يُمْسِكَ أَبْوَابَ السِّكَكِ ثُمَّ يُفَتِّشَ الدُّورَ، وَكَانَ عَلَى الشُّرَطِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.
وَدَخَلَ ابْنُ زِيَادٍ وَعَقَدَ لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَجَعَلَهُ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَلَسَ لِلنَّاسِ.
وَلَمَّا أَصْبَحَ بِلَالٌ ابْنُ تِلْكَ الْعَجُوزِ الَّتِي آوَتْ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ أَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ فَأَخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عَقِيلٍ، فَأَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبَاهُ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ، فَأَسَرَّ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَأَخْبَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ ابْنَ زِيَادٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: قُمْ فَأْتِنِي بِهِ السَّاعَةَ، وَبَعَثَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ السُّلَمِيَّ فِي سَبْعِينَ مِنْ قَيْسٍ حَتَّى أَتَوُا الدَّارَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ عَقِيلٍ. فَلَمَّا سَمِعَ الْأَصْوَاتَ عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ أُتِيَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنَ الدَّارِ، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَأَخْرَجَهُمْ مِرَارًا، وَضَرَبَ بُكَيْرُ بْنُ حُمْرَانَ الْأَحْمَرِيُّ فَمَ مُسْلِمٍ فَقَطَعَ شَفَتَهُ الْعُلْيَا وَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ، وَضَرَبَهُ مُسْلِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَثَنَّى بِأُخْرَى عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ كَادَتْ تَطَّلِعُ عَلَى جَوْفِهِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَشْرَفُوا عَلَى سَطْحِ الْبَيْتِ وَجَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَيُلْهِبُونَ النَّارَ فِي الْقَصَبِ وَيُلْقُونَهَا عَلَيْهِ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَهُمْ فِي السِّكَّةِ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ: لَكَ الْأَمَانُ فَلَا تَقْتُلْ نَفْسَكَ! فَأَقْبَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
أَقْسَمْتُ لَا أُقْتَلُ إِلَّا حُرًّا ... وَإِنْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ شَيْئًا نُكْرًا
أَوْ يَخْلِطُ الْبَارِدُ سُخْنًا مُرًّا ... رَدَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ فَاسْتَقَرَّا
كُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا يُلَاقِي شَرًّا ... أَخَافُ أَنْ أُكْذَبَ أَوْ أُغَرًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute