رُبْعِ تَمِيمٍ وَهَمْدَانَ، وَعَقَدَ لِعَبَّاسِ بْنِ جَعْدَةَ الْجَدَلِيِّ عَلَى رُبْعِ الْمَدِينَةِ، وَأَقْبَلَ نَحْوَ الْقَصْرِ.
فَلَمَّا بَلَغَ ابْنَ زِيَادٍ إِقْبَالُهُ تَحَرَّزَ فِي الْقَصْرِ.
وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَأَحَاطَ مُسْلِمٌ بِالْقَصْرِ وَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَالسُّوقُ مِنَ النَّاسِ وَمَا زَالُوا يَجْتَمِعُونَ حَتَّى الْمَسَاءَ، وَضَاقَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ أَمْرُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ فِي الْقَصْرِ إِلَّا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنَ الشُّرَطِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَشْرَافِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَمَوَالِيهِ، وَأَقْبَلَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَأْتُونَ ابْنَ زِيَادٍ مِنْ قِبَلِ الْبَابِ الَّذِي يَلِي دَارَ الرُّومِيِّينَ وَالنَّاسُ يَسُبُّونَ ابْنَ زِيَادٍ وَأَبَاهُ.
فَدَعَا ابْنُ زِيَادٍ كَثِيرَ بْنَ شِهَابٍ الْحَارِثِيَّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ مَذْحِجٍ فَيَسِيرَ وَيُخَذِّلَ النَّاسَ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ وَيُخَوِّفُهُمْ، وَأَمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ أَنْ يَخْرُجَ فِيمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ فَيَرْفَعَ رَايَةَ أَمَانٍ لِمَنْ جَاءَهُ مِنَ النَّاسِ، وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لِلْقَعْقَاعِ بْنِ شَوْرٍ الذُّهْلِيِّ وَشَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ التَّمِيمِيِّ وَحَجَّارِ بْنِ أَبْجَرَ الْعِجْلِيِّ وَشَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ الضَّبَابِيِّ وَتَرَكَ وُجُوهَ النَّاسِ عِنْدَهُ اسْتِئْنَاسًا بِهِمْ لِقِلَّةِ مَنْ مَعَهُ.
وَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ يُخَذِّلُونَ النَّاسَ، وَأَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْأَشْرَافِ أَنْ يُشْرِفُوا عَلَى النَّاسِ مِنَ الْقَصْرِ فَيُمَنُّوا أَهْلَ الطَّاعَةِ وَيُخَوِّفُوا أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ مَقَالَةَ أَشْرَافِهِمْ أَخَذُوا يَتَفَرَّقُونَ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي ابْنَهَا وَأَخَاهَا وَتَقُولُ: انْصَرِفِ، النَّاسُ يَكْفُونَكَ، وَيَفْعَلُ الرَّجُلُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمَا زَالُوا يَتَفَرَّقُونَ حَتَّى بَقِيَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَسْجِدِ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَرَجَ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الْبَابِ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ، فَمَضَى فِي أَزِقَّةِ الْكُوفَةِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، فَانْتَهَى إِلَى بَابِ امْرَأَةٍ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهَا طَوْعَةُ أُمُّ وَلَدٍ كَانَتْ لِلْأَشْعَثِ وَأَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا أُسَيْدٌ الْحَضْرَمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ بِلَالًا، وَكَانَ بِلَالٌ قَدْ خَرَجَ مَعَ النَّاسِ وَهِيَ تَنْتَظِرُهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَطَلَبَ الْمَاءَ فَسَقَتْهُ، فَجَلَسَ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ تَشْرَبْ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَتْ: فَاذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ، فَسَكَتَ، فَقَالَتْ لَهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يَبْرَحْ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنِّي لَا أُحِلُّ لَكَ الْجُلُوسَ عَلَى بَابِي.
فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْمِصْرِ مَنْزِلٌ وَلَا عَشِيرَةٌ، فَهَلْ لَكِ إِلَى أَجْرٍ وَمَعْرُوفٍ وَلَعَلِّي أُكَافِئُكِ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ، كَذَبَنِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَغَرُّونِي. قَالَتِ: ادْخُلْ.
فَأَدْخَلَتْهُ بَيْتًا فِي دَارِهَا وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ الْعَشَاءَ فَلَمْ يَتَعَشَّ.
وَجَاءَ ابْنُهَا فَرَآهَا تُكْثِرُ الدُّخُولَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ لَكِ لَشَأْنًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ