للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَسْأَلَهُمْ عَمَّا جَاءَ بِهِمْ.

فَأَتَاهُمْ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ فَارِسًا فِيهِمْ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا جَاءَ [أَمْرُ] الْأَمِيرِ بِكَذَا وَكَذَا.

قَالَ: فَلَا تَعْجَلُوا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْتُمْ.

فَوَقَفُوا وَرَجَعَ الْعَبَّاسُ إِلَيْهِ بِالْخَبَرِ، وَوَقَفَ أَصْحَابُهُ يُخَاطِبُونَ الْقَوْمَ وَيُذَكِّرُونَهُمُ اللَّهَ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ الْعَبَّاسُ بِقَوْلِهِمْ قَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُؤَخِّرَهُمْ إِلَى غُدْوَةٍ لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا (هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَنَدْعُوهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ الصَّلَاةَ لَهُ وَتِلَاوَةَ كِتَابِهِ وَكَثْرَةَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ) .

وَأَرَادَ الْحُسَيْنُ أَيْضًا أَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ.

فَرَجَعَ إِلَيْهِمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَ لَهُمُ: انْصَرِفُوا عَنَّا الْعَشِيَّةَ حَتَّى نَنْظُرَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَإِذَا أَصْبَحْنَا الْتَقَيْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِمَّا رَضِينَاهُ وَإِمَّا رَدَدْنَاهُ.

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: مَا تَرَى يَا شَمِرُ؟ قَالَ: أَنْتَ الْأَمِيرُ.

فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ الزُّبَيْدِيُّ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ لَوْ كَانُوا مِنَ الدَّيْلَمِ ثُمَّ سَأَلُوكُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُجِيبُوهُمْ.

وَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: أَجِبْهُمْ لَعَمْرِي لَيُصْبِحُنَّكَ بِالْقِتَالِ غُدْوَةً.

فَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنْ يَفْعَلُوا مَا أَخَّرْتُهُمُ الْعَشِيَّةَ.

ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُمْ.

فَجَمَعَ الْحُسَيْنُ أَصْحَابَهُ بَعْدَ رُجُوعِ عُمَرَ فَقَالَ: أُثْنِي عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ وَأَحْمَدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ عَلَى أَنْ أَكْرَمَتْنَا بِالنُّبُوَّةِ وَجَعَلْتَ لَنَا أَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً وَعَلَّمْتَنَا الْقُرْآنَ وَفَقَّهْتَنَا فِي الدِّينِ فَاجْعَلْنَا لَكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَابًا أَوْفَى وَلَا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِي، وَلَا أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَلَا أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَجَزَاكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا عَنِّي خَيْرًا، أَلَا وَإِنِّي لَأَظُنُّ يَوْمَنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءِ غَدًا، وَإِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ جَمِيعًا فَانْطَلِقُوا فِي حِلٍّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ، هَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا وَلْيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَجَزَاكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا، ثُمَّ تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فِي سَوَادِكُمْ وَمَدَائِنِكُمْ حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ، فَإِنَّ الْقَوْمَ يَطْلُبُونِي وَلَوْ أَصَابُونِي لَهَوْا عَنْ طَلَبِ غَيْرِي.

فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُ وَأَبْنَاءُ إِخْوَتِهِ وَأَبْنَاءُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: لِمَ نَفْعَلُ هَذَا؟ لِنَبْقَى بَعْدَكَ! لَا أَرَانَا اللَّهُ ذَلِكَ أَبَدًا! فَقَالَ الْحُسَيْنُ: يَا بَنِي عَقِيلٍ حَسْبُكُمْ مِنَ الْقَتْلِ بِمُسْلِمٍ، اذْهَبُوا فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ.

قَالُوا: وَمَا نَقُولُ لِلنَّاسِ؟ نَقُولُ: تَرَكْنَا شَيْخَنَا وَسَيِّدَنَا وَبَنِي عُمُومَتِنَا خَيْرَ الْأَعْمَامِ وَلَمْ نَرْمِ مَعَهُمْ بِسَهْمٍ وَلَمْ نَطْعَنْ مَعَهُمْ بِرُمْحٍ وَلَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ وَلَا نَدْرِي مَا صَنَعُوا؟ لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ وَلَكِنَّا نَفْدِيكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>