بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَهْلِينَا وَنُقَاتِلُ مَعَكَ حَتَّى نَرِدَ مَوْرِدَكَ، فَقَبَّحَ اللَّهُ الْعَيْشَ بَعْدَكَ!
وَقَامَ إِلَيْهِ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ: أَنْحَنُ نَتَخَلَّى عَنْكَ وَلَمْ نُعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي أَدَاءِ حَقِّكَ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى أَكْسِرَ فِي صُدُورِهِمْ رُمْحِي وَأَضْرِبَهُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ بِيَدِي، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي سِلَاحِي لَقَذْفَتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ دُونَكَ حَتَّى أَمُوتَ مَعَكَ.
وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُهُ بِنَحْوِ هَذَا، فَجَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا.
وَسَمِعَتْهُ أُخْتُهُ زَيْنَبُ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ وَهُوَ فِي خِبَاءٍ لَهُ يَقُولُ، وَعِنْدَهُ حُوَيٌّ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ يُعَالِجُ سَيْفَهُ:
يَا دَهْرُ أُفٍّ [لَكَ] مِنْ خَلِيلِ ... كَمْ لَكَ بِالْإِشْرَاقِ وَالْأَصِيلِ
مِنْ صَاحِبٍ أَوْ طَالِبٍ قَتِيلِ ... وَالدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بِالْبَدِيلِ
وَإِنَّمَا الْأَمْرُ إِلَى الْجَلِيلِ ... وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكُ السَّبِيلِ
فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَلَمَّا سَمِعَتْهُ لَمْ تَمْلِكْ نَفْسَهَا أَنْ وَثَبَتْ تَجُرُّ ثَوْبَهَا حَتَّى انْتَهَتَ إِلَيْهِ وَنَادَتْ: وَاثَكْلَاهُ! لَيْتَ الْمَوْتَ أَعْدَمَنِي الْحَيَاةَ الْيَوْمَ! مَاتَتْ فَاطِمَةُ أُمِّي وَعَلِيٌّ أَبِي وَالْحَسَنُ أَخِي يَا خَلِيفَةَ الْمَاضِي وَثِمَالَ الْبَاقِي! (فَذَهَبَ) فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ لَا يُذْهِبَنَّ حِلْمَكِ الشَّيْطَانُ.
قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اسْتُقْتِلْتَ! نَفْسِي لِنَفْسِكَ الْفِدَى! فَرَدَّدَ غُصَّتَهُ وَتَرَقْرَقَتْ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: لَوْ تُرِكَ الْقَطَا [لَيْلًا] لَنَامَ.
فَلَطَمَتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ: وَاوَيْلَتَاهُ! أَفَتُغْصِبُكَ نَفْسُكَ اغْتِصَابًا، فَذَلِكَ أَقْرَحُ لِقَلْبِي وَأَشَدُّ عَلَى نَفْسِي! ثُمَّ لَطَمَتْ وَجْهَهَا وَشَقَّتْ جَيْبَهَا وَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا الْحُسَيْنُ فَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِهَا وَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَتَعَزَّيْ بِعَزَاءِ اللَّهِ وَاعْلَمِي أَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ يَمُوتُونَ وَأَهْلَ السَّمَاءِ لَا يَبْقَوْنَ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ، أَبِي خَيْرٌ مِنِّي وَأُمِّي خَيْرٌ مِنِّي وَأَخِي خَيْرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute