مِنِّي، وَلِي وَلَهُمْ وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ بِرَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ.
فَعَزَّاهَا بِهَذَا وَنَحْوِهِ وَقَالَ لَهَا: يَا أُخَيَّةُ إِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكِ لَا تَشُقِّي عَلَيَّ جَيْبًا، وَلَا تَخْمِشِي عَلَيَّ وَجْهًا، وَلَا تَدْعِي عَلَيَّ بِالْوَيْلِ وَالثَّبُورِ إِنْ أَنَا هَلَكْتُ.
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَرِّبُوا بَعْضَ بُيُوتِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَأَنْ يُدْخِلُوا الْأَطْنَابَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ وَيَكُونُوا بَيْنَ يَدَيِ الْبُيُوتِ، فَيَسْتَقْبِلُونَ الْقَوْمَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَالْبُيُوتُ عَلَى أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَمِنْ وَرَائِهِمْ.
فَلَمَّا أَمْسَوْا قَامُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ يُصَلُّونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ وَيَدْعُونَ.
فَلَمَّا صَلَّى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الْغَدَاةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَقِيلَ الْجُمُعَةِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، خَرَجَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، وَعَبَّى الْحُسَيْنُ أَصْحَابَهُ وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَكَانَ مَعَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَارِسًا، وَأَرْبَعُونَ رَاجِلًا، فَجَعَلَ زُهَيْرَ بْنَ الْقَيْنِ فِي مَيْمَنَةِ أَصْحَابِهِ، وَحَبِيبَ بْنَ مُطَهِّرٍ فِي مَيْسَرَتِهِمْ، وَأَعْطَى رَايَتَهُ الْعَبَّاسَ أَخَاهُ، وَجَعَلُوا الْبُيُوتَ فِي ظُهُورِهِمْ، وَأَمَرَ بِحَطَبٍ وَقَصَبٍ فَأُلْقِي فِي مَكَانٍ مُنْخَفِضٍ مِنْ وَرَائِهِمْ كَأَنَّهُ سَاقِيَةٌ عَمِلُوهُ فِي سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، لِئَلَّا يُؤْتَوْا مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَضْرَمَ نَارًا فَنَفَعَهُمْ ذَلِكَ.
وَجَعَلَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى رُبُعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زُهَيْرٍ الْأَزْدِيَّ، وَعَلَى رُبُعِ رَبِيعَةَ وَكِنْدَةَ قَيْسَ بْنَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَلَى رُبُعِ مَذْحِجٍ وَأَسَدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي سَبْرَةَ الْجُعْفِيَّ، وَعَلَى رُبُعِ تَمِيمٍ وَهَمْدَانَ الْحُرَّ بْنَ يَزِيدَ الرِّيَاحِيَّ، فَشَهِدَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ إِلَّا الْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ فَإِنَّهُ عَدَلَ إِلَى الْحُسَيْنِ وَقُتِلَ مَعَهُ، وَجَعَلَ عُمَرُ عَلَى مَيْمَنَتِهِ عَمْرَو بْنَ الْحَجَّاجِ الزُّبَيْدِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ شَمِرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَنِ، وَعَلَى الْخَيْلِ عُرْوَةَ بْنَ قَيْسٍ الْأَحْمَسِيَّ، وَعَلَى الرِّجَالِ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ الْيَرْبُوعِيَّ التَّمِيمِيَّ، وَأَعْطَى الرَّايَةَ مَوْلَاهُ.
فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْحُسَيْنِ أَمَرَ فَضُرِبَ لَهُ فُسْطَاطٌ، ثُمَّ أَمَرَ بِمِسْكٍ فَمِيثَ فِي جَفْنَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُسَيْنُ فَاسْتَعْمَلَ النُّورَةَ، وَوَقَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ وَبُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ عَلَى بَابِ الْفُسْطَاطِ وَازْدَحَمَا أَيُّهُمَا يَطْلِي بَعْدَهُ، فَجَعَلَ بُرَيْرٌ يُهَازِلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ مَا هَذِهِ بِسَاعَةِ بَاطِلٍ.
فَقَالَ بُرَيْرٌ: وَاللَّهِ إِنَّ قَوْمِي لَقَدْ عَلِمُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute