للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنِّي مَا أَحْبَبْتُ الْبَاطِلَ شَابًّا وَلَا كَهْلًا، وَلَكِنَّنِي مُسْتَبْشِرٌ بِمَا نَحْنُ لَاقُونَ، وَاللَّهِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحُورِ الْعِينِ إِلَّا أَنْ يَمِيلَ هَؤُلَاءِ عَلَيْنَا بِأَسْيَافِهِمْ.

فَلَمَّا فَرَغَ الْحُسَيْنُ دَخَلَا، ثُمَّ رَكِبَ الْحُسَيْنُ دَابَّتَهُ وَدَعَا بِمُصْحَفٍ فَوَضَعَهُ أَمَامَهُ، وَاقْتَتَلَ أَصْحَابُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ وَيَشْمَتُ بِهِ الْعَدُوُّ أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ رَغْبَةً إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ وَكَفَيْتَنِيهِ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ.

فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ عُمَرَ النَّارَ تَلْتَهِبُ فِي الْقَصَبِ نَادَى شَمِرُ الْحُسَيْنَ: تَعَجَّلْتَ النَّارَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْقِيَامَةِ! فَعَرَفَهُ الْحُسَيْنُ فَقَالَ: أَنْتَ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا! ثُمَّ رَكِبَ الْحُسَيْنُ رَاحِلَتَهُ وَتَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ وَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ يَسْمَعُهُ كُلُّ النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَلَا تُعَجِّلُونِي حَتَّى أَعِظَهُمْ بِمَا يَجِبُ لَكُمْ عَلَيَّ وَحَتَّى أَعْتَذِرَ إِلَيْكُمْ مِنْ مَقْدَمِي عَلَيْكُمْ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ عُذْرِي وَصَدَّقْتُمْ قَوْلِي وَأَنْصَفْتُمُونِي كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ سَبِيلٌ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلُوا مِنِّي الْعُذْرَ {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: ٧١] ، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: ١٩٦] ! قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ أَخَوَاتُهُ قَوْلَهُ بَكَيْنَ وَصِحْنَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُنَّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِنَّ أَخَاهُ الْعَبَّاسَ وَابْنَهُ عَلِيًّا لِيُسْكِتَاهُنَّ، وَقَالَ لَعَمْرِي لَيَكْثُرَنَّ بُكَاؤُهُنَّ! فَلَمَّا ذَهَبَا قَالَ: لَا يَبْعَدُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا قَالَهَا حِينَ سَمِعَ بُكَاءَهُنَّ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَاهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِنَّ مَعَهُ.

فَلَمَّا سَكَتْنَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَقَالَ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَمَا سُمِعَ أَبْلَغُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَانْسِبُونِي فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا ثُمَّ رَاجِعُوا أَنْفُسَكُمْ فَعَاتِبُوهَا وَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ وَيَحِلُّ لَكُمْ قَتْلِي وَانْتِهَاكُ حُرْمَتِي، أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَابْنَ وَصِيِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ، وَأَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَالْمُصَدِّقِ لِرَسُولِهِ؟ أَوَلَيِسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمُّ أَبِي؟ أَوَلَيِسَ جَعْفَرٌ الشَّهِيدُ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ عَمِّي؟

<<  <  ج: ص:  >  >>