تَعَالَى نَصَرَهُمْ فَانْهَزَمَتِ الرُّومُ وَالْبَرْبَرُ وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ وَكَثُرَ فِيهِمُ الْقَتْلُ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ أَمْوَالَهُمْ وَسِلَاحَهُمْ.
ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى طَنْجَةَ فَلَقِيَهُ بِطْرِيقٌ مِنَ الرُّومِ اسْمُهُ يَلْيَانُ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً حَسَنَةً وَنَزَلَ عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْأَنْدَلُسِ فَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْبَرْبَرِ، فَقَالَ: هُمْ كَثِيرُونَ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ بِالسُّوسِ الْأَدْنَى، وَهُمْ كُفَّارٌ لَمْ يَدْخُلُوا فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَلَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ.
فَسَارَ عُقْبَةُ إِلَيْهِمْ نَحْوَ السُّوسِ الْأَدْنَى، وَهِيَ مَغْرِبُ طَنْجَةَ، فَانْتَهَى إِلَى أَوَائِلِ الْبَرْبَرِ، فَلَقَوْهُ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَقَتَلَ فِيهِمْ قَتْلًا ذَرِيعًا وَبَعَثَ خَيْلَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ هَرَبُوا إِلَيْهِ، وَسَارَ هُوَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى السُّوسِ الْأَقْصَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ لَهُ الْبَرْبَرُ فِي عَالَمٍ لَا يُحْصَى، فَلَقِيَهُمْ وَقَاتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ، وَقَتَلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمْ حَتَّى مَلُّوا وَغَنِمُوا مِنْهُمْ وَسَبَوْا سَبْيًا كَثِيرًا، وَسَارَ حَتَّى بَلَغَ مَالِيَانَ وَرَأَى الْبَحْرَ الْمُحِيطَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ لَوْلَا هَذَا الْبَحْرُ لَمَضَيْتُ فِي الْبِلَادِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ.
ثُمَّ عَادَ فَنَفَرَ الرُّومُ وَالْبَرْبَرُ عَنْ طَرِيقِهِ خَوْفًا مِنْهُ، وَاجْتَازَ بِمَكَانٍ يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِمَاءِ الْفَرَسِ فَنَزَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَاءٌ، فَلَحِقَ النَّاسَ عَطَشٌ كَثِيرٌ أَشْرَفُوا [مِنْهُ] عَلَى الْهَلَاكِ، فَصَلَّى عُقْبَةُ رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا (فَبَحَثَ فَرَسٌ لَهُ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ فَكَشَفَ لَهُ عَنْ صَفَاةٍ) فَانْفَجَرَ الْمَاءُ، فَنَادَى عُقْبَةُ فِي النَّاسِ فَحَفَرُوا أَحْسَاءَ كَثِيرَةً وَشَرِبُوا، فَسُمِّيَ مَاءَ الْفَرَسِ.
فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ طُبْنَةَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَيْرَوَانِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَقَدَّمُوا فَوْجًا فَوْجًا ثِقَةً مِنْهُ بِمَا نَالَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَأَنَّهُ لَمْ يُبْقِ أَحَدًا يَخْشَاهُ، وَسَارَ إِلَى تَهُوذَةَ لِيَنْظُرَ إِلَيْهَا فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَلَمَّا رَآهُ الرُّومُ فِي قِلَّةٍ طَمِعُوا فِيهِ فَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ وَشَتَمُوهُ وَقَاتَلُوهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute