للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ خُرُوجِ كُسَيْلَةَ بْنِ لَمْزَمَ الْبَرْبَرِيِّ عَلَى عُقْبَةَ

هَذَا كُسَيْلَةُ بْنُ لَمْزَمَ الْبَرْبَرِيُّ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ لَمَّا وَلِيَ أَبُو الْمُهَاجِرِ إِفْرِيقِيَّةَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْبَرْبَرِ وَأَبْعَدِهِمْ صَوْتًا، وَصَحِبَ أَبَا الْمُهَاجِرِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُقْبَةُ عَرَّفَهُ أَبُو الْمُهَاجِرِ مَحَلَّ كُسَيْلَةَ وَأَمَرَهُ بِحِفْظِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ وَاسْتَخَفَّ بِهِ، وَأَتَى عُقْبَةُ بِغَنَمٍ فَأَمَرَ كُسَيْلَةَ بِذَبْحِهَا وَسَلْخِهَا مَعَ السَّلَّاخِينَ.

فَقَالَ كُسَيْلَةُ: هَؤُلَاءِ فِتْيَانِي وَغِلْمَانِي يَكْفُونَنِي الْمُئُونَةَ.

فَشَتَمَهُ وَأَمَرَهُ بِسَلْخِهَا، فَفَعَلَ، فَقَبَّحَ أَبُو الْمُهَاجِرِ هَذَا عِنْدَ عُقْبَةَ، فَلَمْ يَرْجِعْ، فَقَالَ لَهُ: أَوْثِقِ الرَّجُلَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ! فَتَهَاوَنَ بِهِ عُقْبَةُ.

فَأَضْمَرَ كُسَيْلَةُ الْغَدْرَ، فَلَمَّا كَانَ الْآنُ وَرَأَى الرُّومُ قِلَّةَ مَنْ مَعَ عُقْبَةَ أَرْسَلُوا إِلَى كُسَيْلَةَ وَأَعْلَمُوهُ حَالَهُ، وَكَانَ فِي عَسْكَرِ عُقْبَةَ مُضْمِرًا لِلْغَدْرِ، وَقَدْ أَعْلَمَ الرُّومَ ذَلِكَ وَأَطْمَعَهُمْ.

فَلَمَّا رَاسَلُوهُ أَظْهَرَ مَا كَانَ يُضْمِرُهُ وَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِي عَمِّهِ وَقَصَدَ عُقْبَةَ، فَقَالَ أَبُو الْمُهَاجِرِ: عَاجِلْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْوَى جَمْعُهُ.

وَكَانَ أَبُو الْمُهَاجِرِ مُوَثَّقًا فِي الْحَدِيدِ مَعَ عُقْبَةَ.

فَزَحَفَ عُقْبَةُ إِلَى كُسَيْلَةَ، فَتَنَحَّى كُسَيْلَةُ عَنْ طَرِيقِهِ لِيَكْثُرَ جَمْعُهُ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو الْمُهَاجِرِ ذَلِكَ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ:

كَفَى حَزَنًا أَنْ تُمْرَغَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا ... وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلَيَّ وَثَاقِيَا

إِذَا قُمْتُ عَنَّانِي الْحَدِيدُ وَأُغْلِقَتْ ... مَصَارِعُ مَنْ دُونِي تُصِمُّ الْمُنَادِيَا

فَبَلَغَ عُقْبَةُ ذَلِكَ فَأَطْلَقَهُ، فَقَالَ لَهُ: الْحَقْ بِالْمُسْلِمِينَ وَقُمْ بِأَمْرِهِمْ وَأَنَا أَغْتَنِمُ الشَّهَادَةَ. فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ: وَأَنَا أَيْضًا أُرِيدُ الشَّهَادَةَ.

فَكَسَّرَ عُقْبَةُ وَالْمُسْلِمُونَ أَجْفَانَ سُيُوفِهِمْ وَتَقَدَّمُوا إِلَى الْبَرْبَرِ وَقَاتَلُوهُمْ، فَقُتِلَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعُهُمْ لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأُسِرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَخَلَّصَهُمْ صَاحِبُ قَفْصَةَ وَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى الْقَيْرَوَانِ.

فَعَزَمَ زُهَيْرُ بْنُ قَيْسٍ الْبَلَوِيُّ عَلَى الْقِتَالِ، فَخَالَفَهُ حَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ وَعَادَ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>