مِصْرَ، فَتَبِعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَاضْطَرَّ زُهَيْرٌ إِلَى الْعَوْدِ مَعَهُمْ، فَسَارَ إِلَى بَرْقَةَ وَأَقَامَ بِهَا.
وَأَمَّا كُسَيْلَةُ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَصَدَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَبِهَا أَصْحَابُ الْأَنْفَالِ وَالذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَطَلَبُوا الْأَمَانَ مِنْ كُسَيْلَةَ فَآمَنَهُمْ وَدَخَلَ الْقَيْرَوَانَ وَاسْتَوْلَى عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ قَوِيَ أَمْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَاسْتَعْمَلَ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ زُهَيْرَ بْنَ قَيْسٍ الْبَلَوِيَّ، وَكَانَ مُقِيمًا بِبَرْقَةَ مُرَابِطًا.
ذِكْرُ وِلَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسٍ إِفْرِيقِيَّةَ وَقَتْلِهِ وَقَتْلِ كُسَيْلَةَ
لَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ ذُكِرَ عِنْدَهُ مَنْ بِالْقَيْرَوَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ (بِإِنْفَاذِ الْجُيُوشِ إِلَى) إِفْرِيقِيَّةَ لِاسْتِنْقَاذِهِمْ، فَكَتَبَ إِلَى زُهَيْرِ بْنِ قَيْسٍ الْبَلَوِيِّ بِوِلَايَةَ إِفْرِيقِيَّةَ وَجَهَّزَ لَهُ جَيْشًا كَثِيرًا، فَسَارَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ.
فَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى كُسَيْلَةَ، فَاحْتَفَلَ وَجَمَعَ وَحَشَدَ الْبَرْبَرَ وَالرُّومَ وَأَحْضَرَ أَشْرَافَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرْحَلَ إِلَى مَمْشَ فَأَنْزِلَهَا فَإِنَّ بِالْقَيْرَوَانِ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ عَلَيْنَا عَهْدٌ فَلَا نَغْدِرُ بِهِمْ وَنَخَافُ إِنْ قَاتَلْنَا زُهَيْرًا (أَنْ يَثِبَ هَؤُلَاءِ مِنْ وَرَائِنَا، فَإِذَا نَزَلْنَا مَمْشَ أَمِنَّاهُمْ وَقَاتَلْنَا زُهَيْرًا) ، فَإِنْ ظَفِرْنَا بِهِمْ تَبِعْنَاهُمْ إِلَى طَرَابُلْسَ وَقَطَعْنَا أَثَرَهُمْ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ، وَإِنْ ظَفِرُوا بِنَا تَعَلَّقْنَا بِالْجِبَالِ وَنَجَوْنَا.
فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَرَحَلَ إِلَى مَمْشَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ زُهَيْرًا فَلَمْ يَدْخُلِ الْقَيْرَوَانَ بَلْ أَقَامَ ظَاهِرَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَرَاحَ وَاسْتَرَاحَ، وَرَحَلَ فِي طَلَبِ كُسَيْلَةَ، فَلَمَّا قَارَبَهُ نَزَلَ وَعَبَّى أَصْحَابَهُ وَرَكِبَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَى الْعَسْكَرَانِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي الْفَرِيقَيْنِ، حَتَّى أَيِسَ النَّاسُ مِنَ الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ، ثُمَّ نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَانْهَزَمَ كُسَيْلَةُ وَأَصْحَابُهُ وَقُتِلَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ بِمَمْشَ، وَتَبِعَ الْمُسْلِمُونَ الْبَرْبَرَ وَالرُّومَ فَقَتَلُوا مَنْ أَدْرَكُوا مِنْهُمْ فَأَكْثَرُوا، وَفِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ ذَهَبَ رِجَالُ الْبَرْبَرِ وَالرُّومِ وَمُلُوكُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ، وَعَادَ زُهَيْرٌ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute