تَلْحَظُوا بِهِ. فَأَصْبِحُوا فِي السِّلَاحِ. وَفَقَدَ النَّاسُ ابْنَ زِيَادٍ فَقَالُوا: مَا هُوَ إِلَّا فِي الْأَرْضِ.
وَقِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ لَمْ يُكَلِّمْ مَسْعُودًا بَلْ أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَحَمَلَ مَعَهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَأَتَى بِهَا أُمَّ بِسِطَامٍ امْرَأَةَ مَسْعُودٍ، (وَهِيَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَمَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَأَذِنَتْ لَهُ فَقَالَ لَهَا: قَدْ أَتَيْتُكِ بِأَمْرٍ تَسُودِينَ بِهِ نِسَاءَ الْعَرَبِ وَتَتَعَجَّلِينَ بِهِ الْغِنَى.
وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، وَأَمَرَهَا أَنْ تُدْخِلَ ابْنَ زِيَادٍ الْبَيْتَ وَتُلْبِسَهُ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِ مَسْعُودٍ، فَفَعَلَتْ، وَلَمَّا جَاءَ مَسْعُودٌ أَخَذَ بِرَأْسِهَا يَضْرِبُهَا، فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَالْحَارِثُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَجَارْتَنِي وَهَذَا ثَوْبُكَ عَلَيَّ وَطَعَامُكَ فِي بَطْنِي.
وَشَهِدَ الْحَارِثُ وَتَلَطَّفُوا بِهِ حَتَّى رَضِيَ، فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ زِيَادٍ فِي بَيْتِهِ حَتَّى قُتِلَ مَسْعُودٌ فَسَارَ إِلَى الشَّامِ.
وَلَمَّا فُقِدَ ابْنُ زِيَادٍ بَقِيَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي غَيْرِ أَمِيرٍ فَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يُؤَمِّرُونَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَاضَوْا بِقَيْسِ بْنِ الْهَيْثَمِ السُّلَمِيِّ وَبِالنُّعْمَانِ بْنِ سُفْيَانَ الرَّاسِبِيِّ الْحَرَمِيِّ لِيَخْتَارَا مَنْ يَرْضَيَانِ لَهُمْ، وَكَانَ رَأْيُ قَيْسٍ فِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَرَأْيُ النُّعْمَانِ فِي بَنِي هَاشِمٍ، فَقَالَ النُّعْمَانُ: مَا أَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ فُلَانٍ، لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقِيلَ: بَلْ ذَكَرَ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيَّ، وَكَانَ هَوَى قَيْسٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالَ النُّعْمَانُ ذَلِكَ خَدِيعَةً وَمَكْرًا بِقَيْسٍ، فَقَالَ قَيْسٌ: قَدْ قَلَّدْتُكَ أَمْرِي وَرَضِيتُ مَنْ رَضِيتَ، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ قَيْسٌ: قَدْ رَضِيتُ مَنْ رَضِيَ النُّعْمَانُ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْبَصْرَةَ
لَمَّا اتَّفَقَ قَيْسٌ وَالنُّعْمَانُ وَرَضِيَ قَيْسٌ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ النُّعْمَانُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ النُّعْمَانُ بِذَلِكَ وَأَخَذَ عَلَى قَيْسٍ وَعَلَى النَّاسِ الْعُهُودَ بِالرِّضَى، ثُمَّ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَسْوَدِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ (حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ بَايَعَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ وَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمُلَقَّبِ بِبَبَّةَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ) مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقَّ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقَرَابَتِهِ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا تَنْقِمُونَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمِّ نَبِيِّكُمْ وَأُمُّهُ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ كَانَ الْأَمْرُ فِيهِمْ، فَهُوَ ابْنُ أُخْتِكُمْ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: رَضِيتُ لَكُمْ بِهِ، فَنَادَوْهُ: قَدْ رَضِينَا، وَبَايَعُوهُ وَأَقْبَلُوا بِهِ إِلَى دَارِ الْإِمَارَةِ حَتَّى نَزَلَهَا، وَذَلِكَ أَوَّلُ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي بَيْعَتِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute