إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: اجْلِسْ، فَأَخْرَجَ بَاغِضَةُ الْكِتَابَ وَقَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: صَدَقَ حَسَّانُ وَكَذَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَشَتَمَهُ.
وَقِيلَ: كَانَ الْوَلِيدُ قَدْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ وَقَامَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي الْغِمْسِ الْغَسَّانِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ الْأَبْرَدِ الْكَلْبِيُّ فَصَدَّقَا حَسَّانَ وَشَتَمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَامَ عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ الْحَكَمِيُّ فَشَتَمَ حَسَّانَ وَأَثْنَى عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَمَرَ الضَّحَّاكُ بِالْوَلِيدِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي الْغِمْسِ فَحُبِسُوا، وَجَالَ النَّاسُ وَوَثَبَتْ كَلْبٌ عَلَى عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ الْحَكَمِيِّ فَضَرَبُوهُ وَمَزَّقُوا ثِيَابَهُ، وَقَامَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ فَصَعِدَ مِرْقَاتَيْنِ مِنَ الْمِنْبَرِ وَسَكَنَ النَّاسُ، وَنَزَلَ الضَّحَّاكُ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ وَدَخَلَ الْقَصْرَ.
فَجَاءَتْ كَلْبٌ فَأَخْرَجُوا سُفْيَانَ، وَجَاءَتْ غَسَّانُ فَأَخْرَجُوا يَزِيدَ، وَجَاءَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ مَعَهُمَا أَخْوَالُهُمَا مِنْ كَلْبٍ فَأَخْرَجُوا الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ جَيْرُونَ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ خَرَجَ الضَّحَّاكُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ فِيهِ وَذَكَرَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ فَسَبَّهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ شَابٌّ مِنْ كَلْبٍ فَضَرَبَهُ بِعَصَا، فَقَامَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَاقْتَتَلُوا، قِيسٌ تَدْعُو إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَنُصْرَةِ الضَّحَّاكِ، وَكَلْبٌ تَدْعُو إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ إِلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ لِأَنَّهُ ابْنُ أُخْتِهِمْ.
وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ دَارَ الْإِمَارَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْغَدِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَبَعَثَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ مَا يَكْرَهُونَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا إِلَى حَسَّانَ وَيَكْتُبَ مَعَهُمْ لِيَسِيرَ مِنَ الْأُرْدُنِّ إِلَى الْجَابِيَةِ وَيَسِيرُونَ هُمْ مِنْ دِمَشْقَ فَيَجْتَمِعُونَ مَعَهُ بِالْجَابِيَةِ وَيُبَايِعُونَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَرَضُوا وَكَتَبُوا إِلَى حَسَّانَ، وَسَارَ الضَّحَّاكُ وَبَنُو أُمَيَّةَ نَحْوَ الْجَابِيَةِ، فَأَتَاهُ ثَوْرُ بْنُ مَعْنٍ السُّلَمِيُّ فَقَالَ: دَعَوْتَنَا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَبَايَعْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْتَ تَسِيرُ إِلَى هَذَا الْأَعْرَابِيِّ مِنْ كَلْبٍ تَسْتَخْلِفُ ابْنَ أُخْتِهِ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ! قَالَ الضَّحَّاكُ: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: الرَّأْيُ أَنْ تُظْهِرَ مَا كُنَّا نَكْتُمُ وَتَدْعُوَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ.
فَرَجَعَ الضَّحَّاكُ وَمِنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ فَنَزَلَ بِمَرْجِ رَاهِطٍ وَدِمَشْقَ بِيَدِهِ، وَاجْتَمَعَ بَنُو أُمَيَّةَ وَحَسَّانُ وَغَيْرُهُمْ بِالْجَابِيَةِ، فَكَانَ حَسَّانُ يُصَلِّي بِهِمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالنَّاسُ يَتَشَاوَرُونَ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّكُونِيُّ يَهْوَى خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، (وَالْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ يَمِيلُ إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ مَالِكٌ لِلْحُصَيْنِ: هَلْ نُبَايِعُ هَذَا الْغُلَامَ الَّذِي نَحْنُ وَلَدْنَا أَبَاهُ وَقَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَتَنَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute