مِنْ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَحْمِلُنَا عَلَى رِقَابِ الْعَرَبِ غَدًا؟ يَعْنِي خَالِدًا.
فَقَالَ الْحُصَيْنُ: لَا وَاللَّهِ لَا تَأْتِينَا الْعَرَبُ بِشَيْخٍ وَنَأْتِيهَا بِصَبِيٍّ.
فَقَالَ مَالِكٌ: وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَخْلَفْتَ مَرْوَانَ لَيَحْسُدُكَ عَلَى سَوْطِكَ وَشِرَاكِ نَعْلِكَ وَظِلِّ شَجَرَةٍ تَسْتَظِلُّ بِهَا، إِنَّ مَرْوَانَ أَبُو عَشِيرَةٍ وَأَخُو عَشِيرَةٍ فَإِنْ بَايَعْتُمُوهُ كُنْتُمْ عَبِيدًا لَهُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِابْنِ أُخْتِكُمْ، فَقَالَ الْحُصَيْنُ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قِنْدِيلًا مُعَلَّقًا مِنَ السَّمَاءِ وَأَنَّ مَنْ يَلِي الْخِلَافَةَ يَتَنَاوَلُهُ فَلَمْ يَنَلْهُ أَحَدٌ إِلَّا مَرْوَانَ، وَاللَّهِ لَنَسْتَخْلِفَنَّهُ.
وَقَامَ رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيُّ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَصُحْبَتَهُ وَقِدَمَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ كَمَا تَذْكُرُونَ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ بِصَاحِبِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الضَّعِيفُ، وَتَذْكُرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ كَمَا تَذْكُرُونَ أَنَّهُ ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ ابْنُ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، وَلَكِنَّهُ مُنَافِقٌ قَدْ خَلَعَ خَلِيفَتَيْنِ يَزِيدَ وَابْنَهُ مُعَاوِيَةَ وَسَفَكَ الدِّمَاءَ وَشَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ الْمُنَافِقُ بِصَاحِبِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَوَاللَّهِ مَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ صَدْعٌ إِلَّا كَانَ مِمَّنْ يُشَعِّبُهُ، وَهُوَ الَّذِي قَاتَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَإِنَّا نَرَى لِلنَّاسِ أَنْ يُبَايِعُوا الْكَبِيرَ وَيَسْتَشِيرُوا الصَّغِيرَ، يَعْنِي بِالْكَبِيرِ مَرْوَانَ، وَبِالصَّغِيرِ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ.
فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى الْبَيْعَةِ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، ثُمَّ لِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، ثُمَّ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مِنْ بَعْدِ خَالِدٍ، عَلَى أَنَّ إِمْرَةَ دِمَشْقَ لِعَمْرٍو وَإِمْرَةَ حِمْصَ لِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ.
فَدَعَا حَسَّانُ خَالِدًا فَقَالَ: يَا بْنَ أُخْتِي؛ إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَبَوْكَ لِحَدَاثَةِ سِنِّكَ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ وَمَا أُبَايِعُ مَرْوَانَ إِلَّا نَظَرًا لَكُمْ.
فَقَالَ خَالِدٌ: بَلْ عَجَزْتَ عَنَّا.
قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَجَزْتُ عَنْكُمْ وَلَكِنَّ الرَّأْيَ لَكَ مَا رَأَيْتُ.
ثُمَّ بَايَعُوا مَرْوَانَ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، وَقَالَ مَرْوَانُ حِينَ بُويِعَ لَهُ:
لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا نَهْبَا ... يَسَّرْتُ غَسَّانَ لَهُمْ وَكَلْبَا
وَالسَّكْسَكِيِّينَ رِجَالًا غُلْبَا ... وَطِيِّئًا تَأْبَاهُ إِلَّا ضَرْبَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute