وَسَارَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى قَرْقِيسْيَا، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قَيْسٌ، وَصَحِبَهُ فِي هَزِيمَتِهِ إِلَى قَرْقِيسْيَا شَابَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَجَاءَتْ خَيْلُ مَرْوَانَ تَطْلُبُهُمْ، فَقَالَ الشَّابَّانِ لِزُفَرَ: انْجُ بِنَفْسِكَ فَإِنَّا نَحْنُ نُقْتَلُ، فَمَضَى زُفَرُ وَتَرَكَهُمَا فَقُتِلَا، (وَقَالَ زُفَرُ فِي ذَلِكَ:
أَرِينِي سِلَاحِي لَا أَبَا لَكِ إِنَّنِي ... أَرَى الْحَرْبَ لَا تَزْدَادُ إِلَّا تَمَادِيَا
أَتَانِي عَنْ مَرْوَانَ بِالْغَيْبِ أَنَّهُ ... مُقَيِّدٌ دَمِي أَوْ قَاطِعٌ مِنْ لِسَانِيَا
فَفِي الْعِيسِ مَنْجَاةٌ وَفِي الْأَرْضِ مَهْرَبٌ ... إِذَا نَحْنُ رَفَّعْنَا لَهُنَّ الْمَثَانِيَا
فَلَا تَحْسَبُونِي إِنْ تَغَيَّبْتُ غَافِلًا ... وَلَا تَفْرَحُوا إِنْ جِئْتُكُمْ بِلِقَائِيَا
فَقَدْ يَنْبُتُ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِ الثَّرَى ... لَهُ وَرَقٌ مِنْ تَحْتِهِ الشَّرُّ بَادِيَا
وَنَمْضِي وَلَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ دِمْنَةٌ ... وَتَبْقَى حَزَازَاتُ النُّفُوسِ كَمَا هِيَا
لَعَمْرِي لَقَدْ أَبْقَتْ وَقِيعَةُ رَاهِطٍ ... لِحَسَّانَ صَدْعًا بَيِّنًا مُتَنَائِيَا
فَلَمْ تُرَ مِنِّي نَبْوَةٌ قَبْلَ هَذِهِ فِرَارِي ... وَتَرْكِي صَاحِبَيَّ وَرَائِيَا
عَشِيَّةَ أَدْعُو فِي الْقِرَانِ فَلَا أَرَى ... مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ عَلَيَّ وَلَا لِيَا
أَيَذْهَبُ يَوْمٌ وَاحِدٌ إِنْ أَسَأْتُهُ ... بِصَالِحِ أَيَّامِي وَحُسْنِ بَلَائِيَا
فَلَا صُلْحَ حَتَّى تَنْحِطَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا ... وَتَثْأَرَ مِنْ نِسْوَانِ كَلْبٍ نِسَائِيَا
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي. هَلْ تُصِيبَنَّ غَارَتِي ... تَنُوخًا وَحَيَّيْ طَيِّئٍ مِنْ شِفَائِيَا