ذِكْرُ فِرَاقِ الْخَوَارِجِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فَارَقَ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ كَانُوا قَدِمُوا مَكَّةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَكَانُوا قَدْ قَاتَلُوا مَعَهُ أَهْلَ الشَّامِ.
وَكَانَ سَبَبُ قُدُومِهِمْ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ ابْنُ زِيَادٍ بَعْدَ قَتْلِ أَبِي بِلَالٍ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ، وَفَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجِهَادَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِالْبَيَانِ، وَقَدْ جَرَّدَ أَهْلُ الظُّلْمِ فِيكُمُ السُّيُوفَ فَاخْرُجُوا بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِي قَدْ ثَارَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَ عَلَى رَأْيِنَا جَاهَدْنَا مَعَهُ، وَإِنْ يَكُنْ عَلَى غَيْرِ رَأْيِنَا دَافَعْنَاهُ عَنِ الْبَيْتِ. وَكَانَ عَسْكَرُ الشَّامِ قَدْ سَارَ نَحْوَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَسَارَ الْخَوَارِجُ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَسُرَّ بِمَقْدَمِهِمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَفْتِيشٍ.
فَقَاتَلُوا مَعَهُ أَهْلَ الشَّامِ حَتَّى مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَانْصَرَفَ أَهْلُ الشَّامِ.
ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا وَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي صَنَعْتُمْ أَمْسِ لَغَيْرُ رَأْيٍ، تُقَاتِلُونَ مَعَ رَجُلٍ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّهُ لَيْسَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِكُمْ، وَقَدْ كَانَ أَمْسِ يُقَاتِلُكُمْ هُوَ وَأَبُوهُ وَيُنَادِي: يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ! فَأْتُوهُ وَاسْأَلُوهُ عَنْ عُثْمَانَ فَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ كَانَ وَلِيَّكُمْ، وَإِنْ أَبَى كَانَ عَدُوَّكُمْ.
فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ، فَنَظَرَ فَإِذَا أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ قَلِيلٌ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ أَتَيْتُمُونِي حِينَ أَرَدْتُ الْقِيَامَ، وَلَكِنْ رَوِّحُوا إِلَيَّ الْعَشِيَّةَ حَتَّى أُعْلِمَكُمْ.
فَانْصَرَفُوا، وَبَعَثَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَجَمَعَهُمْ حَوْلَهُ بِالسِّلَاحِ، وَجَاءَتِ الْخَوَارِجُ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ وَعَلَى رَأْسِهِ وَبِأَيْدِيهِمُ الْعَمَدُ، فَقَالَ ابْنُ الْأَزْرَقِ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ أَزْمَعَ خِلَافَكُمْ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ وَعُبَيْدَةُ بْنُ هِلَالٍ فَقَالَ عُبَيْدَةُ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا يَدْعُو إِلَى عِبَادَتِهِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ، فَدَعَا إِلَى ذَلِكَ فَأَجَابَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَعَمِلَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَاسْتَخْلَفَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَكِلَاهُمَا عَمِلَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، ثُمَّ إِنِ النَّاسَ اسْتَخْلَفُوا عُثْمَانَ، فَحَمَى الْأَحْمَاءَ، وَآثَرَ الْقُرْبَى، وَاسْتَعْمَلَ الْفَتَى وَرَفَعَ الدِّرَّةَ وَوَضَعَ السَّوْطَ وَمَزَّقَ الْكِتَابَ وَضَرَبَ مُنْكَرَ الْجَوْرِ، وَآوَى طَرِيدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَرَبَ السَّابِقِينَ بِالْفَضْلِ وَحَرَمَهُمْ، وَأَخَذَ فَيْءَ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْهِمْ فَقَسَمَهُ فِي فُسَّاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute