فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ ذَكَرَ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ أَمْرَهُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَحْضَرَهُ فِيمَنْ دَخَلَ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الْمُقْبِلُ فِي الْجُمُوعِ لِتَنْصُرَ ابْنَ عَقِيلٍ؟ قَالَ: لَمْ أَفْعَلْ وَلَكِنِّي أَقْبَلْتُ وَنَزَلْتُ تَحْتَ رَايَةِ عَمْرٍو، فَشَهِدَ لَهُ عَمْرٌو، فَضَرَبَ وَجْهَ الْمُخْتَارِ فَشَتَرَ عَيْنَهُ وَقَالَ: لَوْلَا شَهَادَةُ عَمْرٍو لَقَتَلْتُكَ! ثُمَّ حَبَسَهُ حَتَّى قُتِلَ الْحُسَيْنُ.
ثُمَّ إِنَّ الْمُخْتَارَ بَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ تَزَوَّجَ أُخْتَ الْمُخْتَارِ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ، فَكَتَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى يَزِيدَ يَشْفَعُ فِيهِ، فَأَرْسَلَ يَزِيدُ إِلَى زِيَادٍ يَأْمُرُهُ بِإِطْلَاقِهِ، فَأَطْلَقَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُقِيمَ غَيْرَ ثَلَاثٍ.
فَخَرَجَ الْمُخْتَارُ إِلَى الْحِجَازِ، فَلَقِيَهُ ابْنُ الْعِرْقِ وَرَاءَ وَاقِصَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ عَيْنِهِ، فَقَالَ: خَبَطَهَا ابْنُ الزَّانِيَةِ بِالْقَضِيبِ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى، ثُمَّ قَالَ: قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْطَعْ أَنَامِلَهُ وَأَعْضَاءَهُ إِرَبًا إِرَبًا! ثُمَّ سَأَلَهُ الْمُخْتَارُ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: فَقَالَ: إِنَّهُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ وَإِنَّهُ يُبَايَعُ سِرًّا وَلَوِ اشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُ وَكَثُرَتْ رِجَالُهُ لَظَهَرَ.
فَقَالَ الْمُخْتَارُ: إِنَّهُ رَجُلُ الْعَرَبِ الْيَوْمَ وَإِنِ اتَّبَعَ رَأْيِي أَكْفِهِ أَمْرَ النَّاسِ.
إِنَّ الْفِتْنَةَ أَرْعَدَتْ وَأَبْرَقَتْ وَكَأَنْ قَدِ انْبَعَثَتْ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِمَكَانٍ قَدْ ظَهَرَتْ بِهِ [فَقُلْ إِنَّ الْمُخْتَارَ] فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَطْلُبُ بِدَمِ الشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ الْمَقْتُولِ بِالطَّفِّ، سَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ بِنْتِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَابْنِ سَيِّدِهَا، الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَوَرَبِّكَ لَأَقْتُلَنَّ بِقَتْلِهِ عِدَّةَ مَنْ قُتِلَ عَلَى دَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ.
ثُمَّ سَارَ وَابْنُ الْعِرْقِ يَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ ابْنُ الْعِرْقِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مَا ذَكَرَهُ وَحَدَّثْتُ بِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ، فَضَحِكَ وَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّهُ أَيَّ رَجُلٍ دِينًا، وَمِسْعَرَ حَرْبٍ، وَمُقَارِعَ أَعْدَاءٍ كَانَ!
ثُمَّ قَدِمَ الْمُخْتَارُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَتَمَ عَنْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْرَهُ، فَفَارَقَهُ وَغَابَ عَنْهُ سَنَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقِيلَ إِنَّهُ بِالطَّائِفِ وَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ صَاحِبُ الْغَضَبِ وَمُسَيِّرُ الْجَبَّارِينَ.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ؟ لَقَدِ انْبَعَثَ كَذَّابًا مُتَكَهِّنًا، إِنْ يُهْلِكِ اللَّهُ الْجَبَّارِينَ يَكُنِ الْمُخْتَارُ أَوَّلَهُمْ.
فَهُوَ فِي حَدِيثِهِ إِذْ دَخَلَ الْمُخْتَارُ الْمَسْجِدَ فَطَافَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَلَسَ، فَأَتَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute