للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعَارِفُهُ يُحَدِّثُونَهُ، وَلَمْ يَأْتِ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَوَضَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَيْهِ عَبَّاسَ بْنَ سَهْلِ بْنِ مِسْعَرٍ، فَأَتَاهُ وَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مِثْلُكَ يَغِيبُ عَنِ الَّذِي قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأَشْرَافُ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَثَقِيفٍ! لَمْ تَبْقَ قَبِيلَةٌ إِلَّا وَقَدْ أَتَاهُ زَعِيمُهَا فَبَايَعَ هَذَا الرَّجُلَ.

فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُهُ الْعَامَ الْمَاضِي وَكَتَمَ عَنِّي خَبَرَهُ، فَلَمَّا اسْتَغْنَى عَنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَهُ أَنِّي مُسْتَغْنٍ عَنْهُ.

فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: الْقَهُ اللَّيْلَةَ وَأَنَا مَعَكَ.

فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ حَضَرَ عِنْدَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ: أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا تَقْضِيَ الْأُمُورَ دُونِي، وَعَلَى أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ دَاخِلٍ، وَإِذَا ظَهَرْتَ اسْتَعَنْتَ بِي عَلَى أَفْضَلِ عَمَلِكَ.

فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.

فَقَالَ: وَشَرُّ غِلْمَانِي تُبَايِعُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهِ لَا أُبَايِعُكَ أَبَدًا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ.

فَبَايَعَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ قِتَالَ الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبْلَى أَحْسَنَ بَلَاءٍ وَقَاتَلَ أَشَدَّ قِتَالٍ، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ.

فَلَمَّا هَلَكَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَأَطَاعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَقَامَ عِنْدَهُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا رَآهُ لَا يَسْتَعْمِلُهُ جَعَلَ لَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَّا سَأَلَهُ عَنْ حَالِ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ هَانِئُ بْنُ جُبَّةَ الْوَدَاعِيُّ بِاتِّسَاقِ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى طَاعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ إِلَّا أَنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ هُمْ عَدَدُ أَهْلِهَا لَوْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَجْمَعُهُمْ عَلَى رَأْيِهِمْ أَكَلَ بِهِمُ الْأَرْضَ إِلَى يَوْمٍ [مَا] .

فَقَالَ الْمُخْتَارُ: أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، أَنَا وَاللَّهِ لَهُمْ أَنْ أَجْمَعَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَأُلْقِيَ بِهِمْ رُكْبَانَ الْبَاطِلِ، وَأُهْلِكَ بِهِمْ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.

ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ نَحْوَ الْكُوفَةِ فَوَصَلَ إِلَى نَهْرِ الْحِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ رَكِبَ فَمَرَّ بِمَسْجِدِ السَّكُونِ وَجَبَّانَةِ كِنْدَةَ، لَا يَمُرُّ عَلَى مَجْلِسٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَى أَهْلِهِ وَقَالَ: أَبْشِرُوا بِالنُّصْرَةِ وَالْفَلْجِ، أَتَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ.

وَمَرَّ بِبَنِي بَدَاءَ فَلَقِيَ عُبَيْدَةَ بْنَ عَمْرٍو الْبَدِّيَّ مِنْ كِنْدَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ بِالنَّصْرِ وَالْفَلْجِ، إِنَّكَ أَبَا عَمْرٍو عَلَى رَأْيٍ حَسَنٍ، لَنْ يَدَعَ اللَّهُ لَكَ مَعَهُ إِثْمًا إِلَّا غَفَرَهُ لَكَ، وَلَا ذَنْبًا إِلَّا سَتَرَهُ.

وَكَانَ عُبَيْدَةُ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَشْعَرِهِمْ وَأَشَدِّهِمْ تَشَيُّعًا وَحُبًّا لِعَلِيٍّ، وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنِ الشَّرَابِ، فَقَالَ لَهُ: بَشَّرَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ! فَهَلْ أَنْتَ مُبَيِّنٌ لَنَا؟ قَالَ نَعَمِ، الْقَنِي اللَّيْلَةَ.

ثُمَّ سَافَرَ بِبَنِي هِنْدٍ فَلَقِيَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ كَثِيرٍ فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: الْقَنِي أَنْتَ وَأَخُوكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>