اللَّيْلَةَ فَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِمَا تُحِبُّونَ.
وَمَرَّ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: قَدْ قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ بِمَا يَسُرُّكُمْ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ وَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَى سَارِيَةٍ فَصَلَّى عِنْدَهَا حَتَّى أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَصَلَّى مَعَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ، وَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ، وَأَتَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ وَأَخُوهُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ عَمْرٍو، فَسَأَلَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَأَنَّهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ ابْنَ الْوَصِيِّ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ أَمِينًا وَوَزِيرًا وَمُنْتَخَبًا وَأَمِيرًا وَأَمَرَنِي بِقَتْلِ الْمُلْحِدِينَ وَالطَّلَبِ بِدَمِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالدَّفْعِ عَنِ الضُّعَفَاءِ، فَكُونُوا أَوَّلَ خَلْقِ اللَّهِ إِجَابَةً.
فَضَرَبُوا عَلَى يَدِهِ وَبَايَعُوهُ، وَبَعَثَ إِلَى الشِّيعَةِ وَقَدِ اجْتَمَعَتْ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَقَالَ لَهُمْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ بِالْحَرْبِ وَلَا تَجْرِبَةٌ بِالْأُمُورِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ فَيَقْتُلَكُمْ وَيَقْتُلَ نَفْسَهُ، وَأَنَا أَعْمَلُ عَلَى مِثَالٍ مُثِّلَ لِي وَأَمْرٍ بُيِّنَ لِي عَنْ وَلِيِّكُمْ، وَأَقْتُلُ عَدُوَّكُمْ وَأَشْفِي صُدُورَكُمْ، فَاسْمَعُوا قَوْلِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، ثُمَّ انْتَشِرُوا.
وَمَا زَالَ بِهَذَا وَنَحْوِهِ حَتَّى اسْتَمَالَ طَائِفَةً مِنَ الشِّيعَةِ وَصَارُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ وَيُعَظِّمُونَهُ، وَعُظَمَاءُ الشِّيعَةِ مَعَ سُلَيْمَانَ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ أَحَدًا، وَهُوَ أَثْقَلُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُ سُلَيْمَانَ.
فَلَمَّا خَرَجَ سُلَيْمَانُ نَحْوَ الْجَزِيرَةِ قَالَ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رُوَيْمٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْحَطَمِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ: إِنَّ الْمُخْتَارَ أَشَدُّ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلَيْمَانَ، إِنَّمَا خَرَجَ يُقَاتِلُ عَدُوَّكُمْ، وَإِنَّ الْمُخْتَارَ يُرِيدُ أَنْ يَثِبَ عَلَيْكُمْ فِي مِصْرِكُمْ، فَأَوْثِقُوهُ وَاسْجُنُوهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ أَمْرُ النَّاسِ.
فَأَتَوْهُ فَأَخَذُوهُ بَغْتَةً، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: مَا لَكُمْ؟ فَوَاللَّهِ مَا ظَفِرَتْ أَكُفُّكُمْ! فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ: شُدَّهُ كِتَافًا وَمَشِّهِ حَافِيًا.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ هَذَا بَرْجَلٍ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا غَدْرُهُ، إِنَّمَا أَخَذْنَاهُ عَلَى الظَّنِّ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَيْسَ هَذَا بِعُشِّكِ فَادْرُجِي. مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْكَ يَا ابْنَ أَبِي عُبَيْدٍ؟
فَقَالَ: مَا بَلَغَكَ عَنِّي إِلَّا بَاطِلٌ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غِشٍّ كَغِشِّ أَبِيكَ وَجَدِّكَ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute