ثُمَّ حُمِلَ إِلَى السِّجْنِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ مُقَيَّدًا، فَكَانَ يَقُولُ فِي السِّجْنِ: أَمَا وَرَبِّ الْبِحَارِ، وَالنَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ، وَالْمَهَامِهِ وَالْقِفَارِ، وَالْمَلَائِكَةِ الْأَبْرَارِ، وَالْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ، لَأَقْتُلَنَّ كُلَّ جَبَّارٍ، بِكُلِّ لَدْنٍ خَطَّارٍ، وَمُهَنَّدٍ بَتَّارٍ، بِجُمُوعِ الْأَنْصَارِ، لَيْسُوا بِمِيلٍ أَغْمَارٍ، وَلَا بِعُزَّلٍ أَشْرَارٍ، حَتَّى إِذَا أَقَمْتُ عَمُودَ الدِّينِ، وَزَايَلْتُ شَعْبَ صَدْعِ الْمُسْلِمِينَ، وَشَفَيْتُ غَلِيلَ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَدْرَكْتُ ثَأْرَ النَّبِيِّينَ، لَمْ يَكْبُرْ عَلَيَّ زَوَالُ الدُّنْيَا، وَلَمْ أَحْفِلْ بِالْمَوْتِ إِذَا أَتَى.
وَقِيلَ فِي خُرُوجِ الْمُخْتَارِ إِلَى الْكُوفَةِ وَسَبَبِهِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَارَ قَالَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ عِنْدَهُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ قَوْمًا لَوْ أَنَّ لَهُمْ رَجُلًا لَهُ فِقْهٌ وَعِلْمٌ بِمَا يَأْتِي وَيَذَرُ لَاسْتَخْرَجَ لَكَ مِنْهُمْ جُنْدًا تُقَاتِلُ بِهِمْ أَهْلَ الشَّامِ.
قَالَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: شِيعَةُ عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ.
قَالَ: فَكُنْ أَنْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ.
فَبَعَثَهُ إِلَى الْكُوفَةِ، فَنَزَلَ نَاحِيَةً مِنْهَا يَبْكِي عَلَى الْحُسَيْنِ وَيَذْكُرُ مُصَابَهُ حَتَّى لَقُوهُ وَأَحَبُّوهُ فَنَقَلُوهُ إِلَى وَسَطِ الْكُوفَةِ وَأَتَاهُ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا قَوِيَ أَمْرُهُ سَارَ إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
حَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ فِيهَا أَخُوهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلَى الْكُوفَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْحَطَمِيُّ، وَعَلَى قَضَائِهَا هِشَامُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَعَلَى الْبَصْرَةِ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ التَّيْمِيُّ، وَعَلَى خُرَاسَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute