للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَوَلِيَ الْمَدِينَةَ لِمُعَاوِيَةَ مَرَّاتٍ، فَكَانَ إِذَا وَلِيَ يُبَالِغُ فِي سَبِّ عَلِيٍّ، وَإِذَا عُزِلَ وَوَلِيَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ كَفَّ عَنْهُ، (فَسُئِلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ وَعَنْ سَعِيدٍ، فَقَالَ: كَانَ مَرْوَانُ خَيْرًا لَنَا فِي السِّرِّ، وَسَعِيدٌ خَيْرًا لَنَا فِي الْعَلَانِيَةِ.

وَقَدْ أُخْرِجَ حَدِيثُ مَرْوَانَ فِي الصَّحِيحِ، وَكَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يُصَلِّيَانِ خَلْفَهُ وَلَا يُعِيدَانِ الصَّلَاةَ. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ.

وَلَمَّا مَاتَ بُويِعَ لِوَلَدِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ وَلِوَلَدِهِ بَنُو الزَّرْقَاءِ، يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يُرِيدُ ذَمَّهُمْ وَعَيْبَهُمْ، وَهِيَ الزَّرْقَاءُ بِنْتُ مَوْهَبٍ، جَدَّةُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ لِأَبِيهِ، وَكَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الرَّايَاتِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى بُيُوتِ الْبِغَاءِ، فَلِهَذَا كَانُوا يُذَمُّونَ بِهَا، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ أُمَيَّةَ وَالِدُ الْحَكَمِ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، لَا يَكُونُ هَذَا مِنِ امْرَأَةٍ لَهُ وَهِيَ عِنْدُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(حُبَيْشُ بْنُ دَلَجَةَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ، ثُمَّ الْيَاءِ مِنْ تَحْتُ، وَآخِرُهُ شِينٌ مُعْجَمَةٌ، وَدَلَجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَاللَّامِ) .

ذِكْرُ مَقْتَلِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّتْ شَوْكَةُ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ الْأَزَارِقَةُ مِنَ الْخَوَارِجِ.

وَكَانَ سَبَبُ قُوَّتِهِ اشْتِغَالُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَاخْتِلَافُهُمْ بِسَبَبِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو وَقَتْلِهِ، وَكَثُرَتْ جُمُوعُهُ وَأَقْبَلَ نَحْوَ الْجِسْرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ مُسْلِمَ بْنَ عُبَيْسِ بْنِ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَرَفَعَهُ عَنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ حَتَّى بَلَغَ دُولَابَ مِنْ أَرْضِ الْأَهْوَازِ، فَاقْتَتَلُوا هُنَاكَ، وَجَعَلَ مُسْلِمُ بْنُ عُبَيْسٍ عَلَى مَيْمَنَتِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ بَابٍ الْحِمْيَرِيَّ، وَعَلَى مَسِيرَتِهِ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ الْغُدَانِيَّ وَجَعَلَ ابْنُ الْأَزْرَقِ عَلَى مَيْمَنَتِهِ عُبَيْدَ بْنَ هِلَالٍ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْمَاحُوزِ التَّمِيمِيَّ، وَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ، فَقُتِلَ مُسْلِمٌ أَمِيرُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقُتِلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ أَمِيرُ الْخَوَارِجِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَأَمَّرَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ عَلَيْهِمُ الْحَجَّاجَ بْنَ بَابٍ الْحِمْيَرِيَّ، وَأَمَّرْتِ الْخَوَارِجُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمَاحُوزِ التَّمِيمِيَّ، وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْحَجَّاجُ، فَأَمَّرَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ عَلَيْهِمْ رَبِيعَةَ بْنَ الْأَجْرَمِ التَّمِيمِيَّ، وَأَمَّرَتِ الْخَوَارِجُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْمَاحُوِزِ التَّمِيمِيَّ، ثُمَّ عَادُوا فَاقْتَتَلُوا حَتَّى أَمْسَوْا وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَمَلُّوا الْقِتَالَ.

فَإِنَّهُمْ كَذَلِكَ مُتَوَاقِفُونَ مُتَحَاجِزُونَ إِذْ جَاءَتِ الْخَوَارِجُ سَرِيَّةٌ مُسْتَرِيحَةٌ لَمْ تَشْهَدِ الْقِتَالَ، فَحَمَلَتِ عَلَى النَّاسِ مِنْ نَاحِيَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ وَقُتِلَ أَمِيرُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَبِيعَةُ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ أَيْضًا دُغْفُلُ بْنُ حَنْظَلَةَ الشَّيْبَانِيُّ النَّسَّابَةُ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَاتَلَ سَاعَةً، وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ عَنْهُ، فَقَاتَلَ وَحَمَى النَّاسَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ بِالْأَهْوَازِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ فَأَفْزَعَهُمْ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ (بْنُ الزُّبَيْرِ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ) وَعَزَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ، فَأَقْبَلَتِ الْخَوَارِجُ نَحْوَ الْبَصْرَةِ.

ذِكْرُ مُحَارِبَةِ الْمُهَلَّبِ الْخَوَارِجَ

لَمَّا قَرُبَتِ الْخَوَارِجُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَتَى أَهْلُهَا الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَتَوَلَّى حَرْبَهُمْ، فَأَشَارَ بِالْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ لِمَا يَعْلَمُ فِيهِ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالرَّأْيِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْحَرْبِ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ مِنْ عِنْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَدْ وَلَّاهُ خُرَاسَانَ، فَقَالَ الْأَحْنَفُ: مَا لِهَذَا الْأَمْرِ غَيْرُ الْمُهَلَّبِ.

فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَشْرَافُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَكَلَّمُوهُ، فَأَبَى، فَكَلَّمَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، فَاعْتَذَرَ بِعَهْدِهِ عَلَى خُرَاسَانَ، فَوَضَعَ الْحَارِثُ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ كِتَابًا إِلَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ يَأْمُرُهُ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَأَتَوْهُ بِالْكِتَابِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَسِيرُ إِلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَجْعَلُوا لِي مَا غُلِبْتُ عَلَيْهِ وَتُقْطِعُونِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا أُقَوِّي بِهِ مَنْ مَعِي. فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ وَكَتَبُوا لَهُ بِهِ كِتَابًا، وَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَمْضَاهُ، فَاخْتَارَ الْمُهَلَّبُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِمَّنْ يَعْرِفُ نَجْدَتَهُ وَشَجَاعَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، مِنْهُمْ: مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِيَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، وَخَرَجَ الْمُهَلَّبُ إِلَى الْخَوَارِجِ وَهُمْ عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَصْغَرِ، فَحَارَبَهُمْ وَهُوَ فِي وُجُوهِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ، فَدَفَعَهُمْ عَنِ الْجِسْرِ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ إِلَّا أَنْ يَدْخُلُوا، فَارْتَفَعُوا إِلَى الْجِسْرِ الْأَكْبَرِ إِلَيْهِمْ فِي الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ.

فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ قَارَبَهُمُ ارْتَفَعُوا فَوْقَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>