وَلَمَّا بَلَغَ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ تَأْمِيرُ الْمُهَلَّبِ عَلَى قِتَالِ الْأَزَارِقَةِ قَالَ لِمَنْ مَعَهُ [مِنَ] النَّاسِ:
كَرْنِبُوا وَدَوْلِبُوا حَيْثُ شِئْتُمْ فَاذْهَبُوا
فَأَقْبَلَ بِمَنْ مَعَهُ نَحْوَ الْبَصْرَةِ فَرَدَّ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ إِلَى الْمُهَلَّبِ، وَرَكِبَ حَارِثَةُ فِي سَفِينَةٍ فِي نَهْرِ دُجَيْلٍ يُرِيدُ الْبَصْرَةَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ تَمِيمٍ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ وَالْخَوَارِجُ وَرَاءَهُ، فَصَاحَ التَّمِيمِيُّ بِحَارِثَةَ يَسْتَغِيثُ بِهِ لِيَحْمِلَهُ مَعَهُ، فَقَرَّبَ السَّفِينَةَ إِلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، وَهُوَ جُرْفٌ، فَوَثَبَ التَّمِيمِيُّ إِلَيْهَا فَغَاصَتْ بِجَمِيعِ مَنْ فِيهَا فَغَرِقُوا.
وَأَمَّا الْمُهَلَّبُ فَإِنَّهُ سَارَ حَتَّى نَزَلَ بِالْخَوَارِجِ وَهُمْ بِنَهْرِ تِيرَى وَتَنَحَّوْا عَنْهُ إِلَى الْأَهْوَازِ، وَسَيَّرَ الْمُهَلَّبُ إِلَى عَسْكَرِهِمُ الْجَوَاسِيسَ تَأْتِيهِ بِأَخْبَارِهِمْ، فَلَمَّا أَتَاهُ خَبَرُهُمْ سَارَ نَحْوَهُمْ وَاسْتَخْلَفَ أَخَاهُ الْمُعَارِكَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ عَلَى نَهْرِ تِيرَى، فَلَمَّا وَصَلَ الْأَهْوَازَ قَاتَلَتِ الْخَوَارِجُ مُقَدِّمَتَهُ، وَعَلَيْهِمُ ابْنُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، فَجَالَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ عَادُوا.
فَلَمَّا رَأَى الْخَوَارِجُ صَبْرَهُمْ سَارُوا عَنْ سُوقِ الْأَهَاوِزِ إِلَى مَنَاذِرَ، فَسَارَ يُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا قَارَبَهُمْ سَيَّرَ الْخَوَارِجُ جَمْعًا عَلَيْهِمْ وَاقَدٌ مَوْلَى أَبِي صُفْرَةَ إِلَى نَهْرِ تِيرَى وَبِهَا الْمَعَارِكُ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْمُهَلَّبِ فَسَيَّرَ ابْنَهُ الْمُغِيرَةَ إِلَى نَهْرِ تِيرَى، فَأَنْزَلَ عَمَّهُ الْمُعَارِكَ وَدَفَنَهُ وَسَكَنَ النَّاسُ وَاسْتَخْلَفَ بِهَا جَمَاعَةً وَعَادَ إِلَى أَبِيهِ وَقَدْ نَزَلَ سُولَافَ.
وَكَانَ الْمُهَلَّبُ شَدِيدَ الِاحْتِيَاطِ وَالْحَذَرِ، لَا يَنْزِلُ إِلَّا فِي خَنْدَقٍ وَهُوَ عَلَى تَعْبِيَةٍ وَيَتَوَلَّى الْحَرَسَ بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا نَازَلَ الْخَوَارِجَ بِسُولَافَ رَكِبُوا وَوَقَفُوا لَهُ وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا صَبَرَ فِيهِ الْفَرِيقَانِ، ثُمَّ حَمَلَتِ الْخَوَارِجُ حَمْلَةً صَادِقَةً عَلَى الْمُهَلَّبِ وَأَصْحَابِهِ فَانْهَزَمُوا وَقُتِلَ مِنْهُمْ، وَثَبَتَ الْمُهَلَّبُ وَأَبْلَى ابْنُهُ الْمُغِيرَةَ يَوْمَئِذٍ بَلَاءً حَسَنًا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُهُ، وَنَادَى الْمُهَلَّبُ أَصْحَابَهُ فَعَادُوا إِلَيْهِ مَعَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَرَادَ الْقِتَالَ بِمَنْ مَعَهُ فَنَهَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لِضَعْفِهِمْ وَكَثْرَةِ الْجِرَاحِ فِيهِمْ، فَتَرَكَ الْقِتَالَ وَسَارَ وَقَطَعَ دُجَيْلَ وَنَزَلَ بِالْعَاقُولِ لَا يُؤْتَى إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، (وَفِي يَوْمِ سُولَافَ يَقُولُ ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute