أَلَا طَرَقَتْ مِنْ آلِ مَيَّةَ طَارِقَهْ ... عَلَى أَنَّهَا مَعْشُوقَةُ الدَّلِّ عَاشِقَهْ
تَمِيسُ وَأَرْضُ السُّوسِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... وَسُولَافُ رُسْتَاقٌ حَمَتْهُ الْأَزَارِقَهْ
إِذَا نَحْنُ شَتَّى صَادَفَتْنَا عِصَابَةٌ ... حَرُورِيَّةٌ أَضْحَتْ مِنَ الدِّينِ مَارِقَهْ
أَجَازَتْ إِلَيْنَا الْعَسْكَرَيْنِ كِلَيْهِمَا ... فَبَاتَتْ لَنَا دُونَ اللِّحَافِ مُعَانِقَهْ
وَقَالَ فِيهِ بَعْضُ الْخَوَارِجِ:
وَكَائِنْ تَرَكْنَا يَوْمَ سُولَافَ مِنْهُمُ ... أُسَارَى وَقَتْلَى فِي الْجَحِيمِ مَصِيرُهَا
وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِيهِ.
فَلَمَّا وَصَلَ الْمُهَلَّبُ إِلَى الْعَاقُولِ نَزَلَ فِيهِ وَأَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ ارْتَحَلَ وَسَارَ نَحْوَ الْخَوَارِجِ، وَهُمْ بِسِلَّى وَسِلَّبْرَى، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْهُمْ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَفْعَلُ أَشْيَاءَ يُحَدِّثُ بِهَا النَّاسَ لِيَنْشَطُوا إِلَى الْقِتَالِ فَلَا يَرَوْنَ لَهَا أَثَرًا، حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنْتَ الْفَتَى كُلُّ الْفَتَى ... لَوْ كُنْتَ تَصْدُقُ مَا تَقُولُ
وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمُ الْكَذَّابَ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكَايَدَةً لِلْعَدُوِّ.
فَلَمَّا نَزَلَ الْمُهَلَّبُ قَرِيبًا مِنَ الْخَوَرِاجِ وَخَنْدَقَ عَلَيْهِ، وَضَعَ الْمَسَالِحَ وَأَذْكَى الْعُيُونَ وَالْحَرَسَ وَالنَّاسَ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَمَوَاقِفِهِمْ، وَأَبْوَابُ الْخَنْدَقِ مَحْفُوظَةٌ، فَكَانَ الْخَوَارِجُ إِذَا أَرَادُوا بَيَاتَهُ وَغِرَّتَهُ وَجَدُوا أَمْرًا مُحْكَمًا فَرَجَعُوا، فَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ إِنْسَانٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْهُ.
ثُمَّ إِنَّ الْخَوَارِجَ أَرْسَلُوا عُبَيْدَةَ بْنَ هِلَالٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْمَاحُوزِ فِي عَسْكَرٍ لَيْلًا إِلَى عَسْكَرِ الْمُهَلَّبِ لِيُبَيِّتُوهُ، فَصَاحُوا بِالنَّاسِ عَنْ يَمِينِهِمْ وَيَسَارِهِمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى تَعْبِيَةٍ قَدْ