للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَذِرُوا، فَلَمْ يَنَالُوا مِنْهُمْ شَيْئًا، وَأَصْبَحَ الْمُهَلَّبُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي تَعْبِيَةٍ، وَجَعَلَ الْأَزْدَ وَتَمِيمًا مَيْمَنَةً، وَبَكْرَ بْنَ وَائِلٍ وَعَبْدَ الْقَيْسِ مَيْسَرَةً، وَأَهْلَ الْعَالِيَةِ فِي الْقَلْبِ، وَخَرَجَتِ الْخَوَارِجُ وَعَلَى مَيْمَنَتِهِمْ عُبَيْدَةُ بْنُ هِلَالٍ الْيَشْكُرِيُّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْمَاحُوزِ، وَكَانُوا أَحْسَنَ عُدَّةً وَأَكْرَمَ خَيْلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لِأَنَّهُمْ مَخَرُوا الْأَرْضَ وَجَرَّدُوهَا مَا بَيْنَ كَرْمَانَ إِلَى الْأَهْوَازِ. فَالْتَقَى النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ عَامَّةَ النَّهَارِ، ثُمَّ إِنَّ الْخَوَارِجَ شَدَّتْ عَلَى النَّاسِ شَدَّةً مُنْكَرَةً، فَأَجْفَلُوا وَانْهَزَمُوا لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٌ، حَتَّى بَلَغَتِ الْهَزِيمَةُ الْبَصْرَةَ، وَخَافَ أَهْلُهَا السِّبَاءَ.

وَأَسْرَعَ الْمُهَلَّبُ حَتَّى سَبَقَ الْمُنْهَزِمِينَ إِلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، ثُمَّ نَادَى: إِلَيَّ عِبَادِ اللَّهِ! فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ أَكْثَرُهُمْ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْأَزْدِ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَضِيَ عِدَّتَهُمْ فَخَطَبَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ أَحْجَارٍ، وَقَالَ: سِيرُوا بِنَا نَحْوَ عَسْكَرِهِمْ فَإِنَّهُمُ الْآنَ آمِنُونَ وَقَدْ خَرَجَتْ خَيْلُهُمْ فِي طَلَبِ إِخْوَانِكُمْ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ خَيْلُهُمْ حَتَّى تَسْتَبِيحُوا عَسْكَرَهُمْ وَتَقْتُلُوا أَمِيرَهُمْ. فَأَجَابُوهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمْ رَاجِعًا، فَمَا شَعَرَتِ الْخَوَارِجُ إِلَّا وَالْمُهَلَّبُ يُقَاتِلُهُمْ فِي جَانِبِ عَسْكَرِهِمْ، فَلَقِيَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمَاحُوزِ وَالْخَوَارِجُ، فَرَمَاهُمْ أَصْحَابُ الْمُهَلَّبِ بِالْأَحْجَارِ حَتَّى أَثْخَنُوهُمْ ثُمَّ طَعَنُوهُمْ بِالرِّمَاحِ وَضَرَبُوهُمْ بِالسُّيُوفِ، فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمَاحُوزِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَغَنِمَ الْمُهَلَّبُ عَسْكَرَهُمْ، وَأَقْبَلَ مَنْ كَانَ فِي طَلَبِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَاجِعًا، وَقَدْ وَضَعَ لَهُمْ خَيْلًا وَرِجَالًا تَخْطَفُهُمْ وَتَقْتُلُهُمْ، وَانْكَفَئُوا رَاجِعِينَ مَذْلُولِينَ، فَارْتَفَعُوا إِلَى كَرْمَانَ وَجَانِبَ أَصْبَهَانَ.

(قَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ لَمَّا رَأَى قِتَالَ أَصْحَابِ الْمُهَلَّبِ بِالْحِجَارَةِ:

أَتَانَا بِأَحْجَارٍ لِيَقْتُلَنَا بِهَا ... وَهَلْ تُقْتَلُ الْأَقْرَانُ وَيْحَكَ بِالْحَجَرِ!

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُهَلَّبُ مِنْهُمْ أَقَامَ مَكَانَهُ حَتَّى قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْبَصْرَةِ أَمِيرًا، وَعَزَلَ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، (وَفِي هَذَا الْيَوْمِ يَقُولُ الصَّلَتَانِ الْعَبْدِيُّ:

بِسِلَّى وَسِلَّبْرَى مَصَارِعُ فِتْيَةٍ ... كِرَامٍ وَقَتْلَى لَمْ تُوَسَّدْ خُدُودُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>