يَمِينِي، وَخُرُوجِي عَلَيْهِمْ خَيْرٌ مِنْ كَفِّي عَنْهُمْ، وَأَمَّا هَدْيُ الْبُدْنِ وَعَتْقُ الْمَمَالِيكِ فَهُوَ أَهْوَنُ عَلِيَّ مِنْ بَصْقَةٍ، فَوَدِدْتُ أَنْ تَمَّ لِي أَمْرِي وَلَا أَمَلِكُ بَعْدَهُ مَمْلُوكًا أَبَدًا.
ثُمَّ اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ وَاتَّفَقُوا عَلَى الرِّضَى بِهِ، وَلَمْ يَزَلْ أَصْحَابُهُ يَكْثُرُونَ، وَأَمْرُهُ يَقْوَى حَتَّى عَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْحَطَمِيَّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ عَلَى عَمَلِهِمَا بِالْكُوفَةِ، فَلَقِيَهُ بِحَيْرُ بْنُ رَيْسَانَ الْحِمْيَرِيُّ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ لَهُ: لَا تَسِرِ اللَّيْلَةَ فَإِنَّ الْقَمَرَ بِالنَّاطِحِ فَلَا تَسِرْ، فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ نَطْلُبُ إِلَّا النَّطْحَ! فَلَقِيَ نَطْحًا كَمَا يُرِيدُ، فَكَانَ الْبَلَاءُ مُوَكَّلًا بِمَنْطِقِهِ، وَكَانَ شُجَاعًا.
وَسَارَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَسَرَ الْخَوَارِجُ وَقَالَ: كَانَتْ فِتْنَةً، فَسَكَتَ عَنْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
وَكَانَ قُدُومُ ابْنِ مُطِيعٍ فِي رَمَضَانَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْهُ، وَجَعَلَ عَلَى شُرْطَتِهِ إِيَاسَ بْنَ مُضَارِبٍ الْعِجْلِيَّ، وَأَمَرَهُ بِحُسْنِ السِّيرَةِ وَالشِّدَّةِ عَلَى الْمُرِيبِ، وَلَمَّا قَدِمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنِي عَلَى مِصْرِكُمْ وَثُغُورِكُمْ، وَأَمَرَنِي بِجِبَايَةِ فَيْئِكُمْ وَأَنْ لَا أَحْمِلَ فَضْلَ فَيْئِكُمْ عَنْكُمْ إِلَّا بِرِضًى مِنْكُمْ، وَأَنْ أَتَّبِعَ وَصِيَّةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا عِنْدَ وَفَاتِهِ، وَسِيرَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْتَقِيمُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا وَخُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [وَلَا تَلُومُونِي] فَوَاللَّهِ لَأُوقِعَنَّ بِالسَّقِيمِ الْعَاصِيَ، وَلَأُقِيمَنَّ دَرْءَ الْأَصْعَرِ الْمُرْتَابِ.
فَقَامَ إِلَيْهِ السَّائِبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَمَّا حَمْلُ فَيْئِنَا بِرِضَانَا فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَا لَا نَرْضَى أَنْ يُحْمَلَ عَنَّا فَضْلُهُ وَأَنْ لَا يُقْسَمَ إِلَّا فِينَا، وَأَنْ لَا يُسَارَ فِينَا إِلَّا بِسِيرَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّتِي سَارَ بِهَا فِي بِلَادِنَا هَذِهِ حَتَّى هَلَكَ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي سِيرَةِ عُثْمَانَ فِي فَيْئِنَا وَلَا فِي أَنْفُسِنَا، وَلَا فِي سِيرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِينَا، وَإِنْ كَانَتْ أَهْوَنَ السِّيرَتَيْنِ عَلَيْنَا، وَقَدْ كَانَ يَفْعَلُ بِالنَّاسِ خَيْرًا.
فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَنَسٍ: صَدَقَ السَّائِبُ وَبَرَّ.
فَقَالَ ابْنُ مُطِيعٍ: نَسِيرُ فِيكُمْ بِكُلِّ سِيرَةٍ أَحْبَبْتُمُوهَا. ثُمَّ نَزَلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute