وَجَاءَ إِيَاسُ بْنُ مُضَارِبٍ إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ السَّائِبَ بْنَ مَالِكٍ مِنْ رُءُوسِ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ، فَابْعَثْ إِلَى الْمُخْتَارِ فَلْيَأْتِكَ، فَإِذَا جَاءَ فَاحْبِسْهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ أَمْرُ النَّاسِ، فَإِنَّ أَمْرَهُ قَدِ اسْتَجْمَعَ لَهُ وَكَأَنَّهُ قَدْ وَثَبَ بِالْمِصْرِ.
فَبَعَثَ ابْنُ مُطِيعٍ إِلَى الْمُخْتَارِ زَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ وَحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْسَمِيَّ مِنْ هَمْدَانَ، فَقَالَا: أَجِبِ الْأَمِيرَ، فَعَزَمَ عَلَى الذَّهَابِ، فَقَرَأَ زَائِدَةُ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: ٣٠] الْآيَةَ، فَأَلْقَى الْمُخْتَارُ ثِيَابَهُ وَقَالَ: أَلْقُوا عَلَيَّ قَطِيفَةً فَقَدْ وُعِكْتُ، إِنِّي لَأَجِدُ بَرْدًا شَدِيدًا، ارْجِعَا إِلَى الْأَمِيرِ فَأَعْلِمَاهُ حَالِي. فَعَادَا إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ فَأَعْلَمَاهُ، فَتَرَكَهُ. وَوَجَّهَ الْمُخْتَارُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَجَمَعَهُمْ حَوْلَهُ فِي الدُّورِ وَأَرَادَ أَنْ يَثِبَ فِي الْكُوفَةِ فِي الْمُحَرَّمِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ شِبَامٍ، وَشِبَامٌ حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ، وَكَانَ شَرِيفًا اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، فَلَقِيَ سَعِيدَ بْنَ مُنْقِذٍ الثَّوْرِيَّ وَسِعْرَ بْنَ أَبِي سِعْرٍ الْحَنَفِيَّ وَالْأَسْوَدَ بْنَ جَرَادٍ الْكِنْدِيَّ وَقَدَامَةَ بْنَ مَالِكٍ الْجُشَمِيَّ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِ الْمُخْتَارَ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ بِنَا وَلَا نَدْرِي أَرْسَلَهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ أَمْ لَا، فَانْهَضُوا بِنَا إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ نُخْبِرُهُ بِمَا قَدِمَ عَلَيْنَا بِهِ الْمُخْتَارُ، فَإِنْ رَخَّصَ لَنَا فِي اتِّبَاعِهِ تَبِعْنَاهُ وَإِنْ نَهَانَا عَنْهُ اجْتَنَبْنَاهُ، فَوَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا آثَرَ عِنْدَنَا مِنْ سَلَامَةِ دِينِنَا. قَالُوا لَهُ: أَصَبْتَ.
فَخَرَجُوا إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ سَأَلَهُمْ عَنْ حَالِ النَّاسِ فَأَخْبَرُوهُ عَنْ حَالِهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ وَأَعْلَمُوهُ حَالَ الْمُخْتَارِ وَمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَاسْتَأْذَنُوهُ فِي اتِّبَاعِهِ.
فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ كَلَامِهِمْ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ فَضِيلَةَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُصِيبَةَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِمَّنْ دَعَاكُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدِمَائِنَا فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا بِمَنْ شَاءَ مَنْ خَلْقِهِ، وَلَوْ كَرِهَ لَقَالَ لَا تَفْعَلُوا.
فَعَادُوا وَنَاسٌ مِنَ الشِّيعَةِ يَنْتَظِرُونَهُمْ مِمَّنْ أَعْلَمُوهُ بِحَالِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ شَقَّ عَلَى الْمُخْتَارِ وَخَافَ أَنْ يَعُودُوا بِأَمْرٍ يُخَذِّلُ الشِّيعَةَ عَنْهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْكُوفَةَ دَخَلُوا عَلَى الْمُخْتَارِ قَبْلَ دُخُولِهِمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا وَرَاءَ كَمْ فَقَدَ فُتِنْتُمْ وَارْتَبْتُمْ! فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِنَصْرِكَ. فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اجْمَعُوا إِلَيَّ الشِّيعَةَ، فَجَمَعَ مَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ نَفَرًا قَدْ أَحَبُّوا أَنْ يَعْلَمُوا مِصْدَاقَ مَا جِئْتُ بِهِ فَرَحَلُوا إِلَى الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ، فَسَأَلُوهُ عَمَّا قَدِمْتُ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَنَبَّأَهُمْ أَنِّي وَزِيرُهُ وَظَهِيرُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمَرَكُمْ بِاتِّبَاعِي وَطَاعَتِي فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute