لَا يَدَعُونَ مِنْكُمْ عَيْنًا تَطْرُفُ، وَلَيُقَتِّلُنَّكُمْ صَبْرًا، وَلَتَرَوْنَ مِنْهُمْ فِي أَوْلَادِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ مَا الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَاللَّهِ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْهُمْ إِلَّا الصِّدْقُ وَالصَّبْرُ وَالطَّعْنُ الصَّائِبُ وَالضَّرْبُ الدِّرَاكُ، تَهَيَّئُوا لِلْحَمْلَةِ، فَتَيَسَّرُوا يَنْتَظِرُونَ أَمْرَهُ وَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ.
وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ فَإِنَّهُ لَقِيَ رَاشِدًا فَإِذَا مَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَصْحَابِهِ: لَا يَهُولَنَّكُمْ كَثْرَةُ هَؤُلَاءِ، فَوَاللَّهِ لَرُبَّ رَجُلٍ خَيْرٌ مِنْ عَشْرَةٍ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. وَقَدِمَ خُزَيْمَةُ بْنُ نَصْرٍ إِلَيْهِمْ فِي الْخَيْلِ، وَنَزَلَ هُوَ يَمْشِي فِي الرَّجَّالَةِ، وَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ لِصَاحِبِ رَايَتِهِ: تَقَدَّمَ بِرَايَتِكَ، امْضِ بِهَؤُلَاءِ وَبِهَا.
وَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَحَمَلَ خُزَيْمَةُ بْنُ نَصْرٍ الْعَبْسِيُّ عَلَى رَاشِدٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ نَادَى: قَتَلْتُ رَاشِدًا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ رَاشِدٍ، وَأَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ وَخُزَيْمَةُ وَمَنْ مَعَهُمَا بَعْدَ قَتْلِ رَاشِدٍ نَحْوَ الْمُخْتَارِ، وَأَرْسَلَ الْبَشِيرُ إِلَى الْمُخْتَارِ بِقَتْلِ رَاشِدٍ، فَكَبَّرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَدَخَلَ أَصْحَابَ ابْنِ مُطِيعٍ الْفَشَلُ.
وَأَرْسَلَ ابْنُ مُطِيعٍ حَسَّانَ بْنَ فَائِدِ بْنِ بَكْرٍ الْعَبْسِيَّ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ نَحْوِ أَلْفَيْنِ، فَاعْتَرَضَ إِبْرَاهِيمَ لِيَرُدَّهُ عَمَّنْ بِالسَّبَخَةِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مُطِيعٍ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ، فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَتَأَخَّرَ حَسَّانُ يَحْمِي أَصْحَابَهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ خُزَيْمَةُ، فَعَرَفَهُ فَقَالَ: يَا حَسَّانُ لَوْلَا الْقَرَابَةُ لَقَتَلْتُكَ، فَانْجُ بِنَفْسِكَ.
فَعَثَرَ بِهِ فَرَسُهُ فَوَقَعَ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَقَاتَلَ سَاعَةً، قَالَ لَهُ خُزَيْمَةُ: أَنْتَ آمِنٌ فَلَا تَقْتُلْ نَفْسَكَ، وَكَفَّ عَنْهُ النَّاسُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هَذَا ابْنُ عَمِّي وَقَدْ آمَنْتُهُ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ! وَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُحْضِرَ فَأُرْكِبَهُ وَقَالَ: الْحَقْ بِأَهْلِكَ.
وَأَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ نَحْوَ الْمُخْتَارِ وَشَبَثُ بْنِ رِبْعِيٍّ مُحِيطٌ بِهِ، فَلَقِيَهُ يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ الَّتِي تَلِي السَّبَخَةَ، فَأَقْبَلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ لِيَصُدَّهُ عَنْ شَبَثٍ وَأَصْحَابِهِ، فَبَعَثَ إِبْرَاهِيمُ إِلَيْهِ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ نَصْرٍ وَسَارَ نَحْوَ الْمُخْتَارِ وَشَبِثٍ فِيمَنْ بَقِيَ مَعَهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ حَمَلَ عَلَى شَبَثٍ، وَحَمَلَ يَزِيدُ بْنُ أَنَسٍ، فَانْهَزَمَ شَبَثٌ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى أَبْيَاتِ الْكُوفَةِ، وَحَمَلَ خُزَيْمَةُ بْنُ نَصْرٍ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ فَهَزَمَهُ، وَازْدَحَمُوا عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ وَفَوْقَ الْبُيُوتِ وَأَقْبَلَ الْمُخْتَارُ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ رَمَتْهُ الرُّمَاةُ بِالنَّبْلِ فَصَدُّوهُ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى الْكُوفَةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ.
وَرَجَعَ النَّاسُ مِنَ السَّبَخَةِ مُنْهَزِمِينَ إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ، وَجَاءَهُ قَتْلُ رَاشِدِ بْنِ إِيَاسٍ فَسَقَطَ فِي يَدِهِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ الزُّبَيْدِيُّ: أَيُّهَا الرَّجُلُ لَا تُلْقِ بِيَدِكَ وَاخْرُجْ إِلَى النَّاسِ وَانْدُبْهُمْ إِلَى عَدُوِّكَ، فَإِنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ وَكُلُّهُمْ مَعَكَ إِلَّا هَذِهِ الطَّائِفَةَ الَّتِي خَرَجَتْ وَاللَّهُ يُخْزِيهَا، وَأَنَا أَوَّلُ مُنْتَدَبٍ، فَانْتَدِبْ مَعِي طَائِفَةً وَمَعَ غَيْرِي طَائِفَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute