جَعَلَ السَّمَاءَ سَقْفًا مَكْفُوفًا، وَالْأَرْضَ فِجَاجًا سُبُلًا، مَا بَايَعْتُمْ بَعْدَ بَيْعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَآلِ عَلِيٍّ أَهْدَى مِنْهَا!
ثُمَّ نَزَلَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ أَشْرَافُ الْكُوفَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالطَّلَبِ بِدِمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَجِهَادِ الْمُحِلِّينَ، وَالدَّفْعِ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَقِتَالِ مَنْ قَاتَلَنَا، وَسِلْمِ مَنْ سَالَمَنَا.
وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَهُ الْمُنْذِرُ بْنُ حَسَّانَ وَابْنُهُ حَسَّانُ، فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ اسْتَقْبَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مُنْقِذٍ الثَّوْرِيُّ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ، فَلَمَّا رَأَوْهُمَا قَالُوا: هَذَانِ وَاللَّهِ مِنْ رُءُوسِ الْجَبَّارِينَ، فَقَتَلُوا الْمُنْذِرَ وَابْنَهُ حَسَّانَ، فَنَهَاهُمْ سَعِيدٌ حَتَّى يَأْخُذُوا أَمْرَ الْمُخْتَارِ، فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُخْتَارُ ذَلِكَ كَرِهَهُ، وَأَقْبَلَ الْمُخْتَارُ يُمَنِّي النَّاسَ، وَيَسْتَجِرُّ مَوَدَّةَ الْأَشْرَافِ، وَيُحْسِنُ السِّيرَةَ.
وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ مُطِيعٍ فِي دَارِ أَبِي مُوسَى، فَسَكَتَ، فَلَمَّا أَمْسَى بَعَثَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: تَجَهَّزْ بِهَذِهِ فَقَدْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ، وَأَنَّكَ لَمْ يَمْنَعْكَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَّا عَدَمُ النَّفَقَةِ. وَكَانَ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ.
وَوَجَدَ الْمُخْتَارُ فِي بَيْتِ الْمَالِ تِسْعَةَ آلَافِ أَلْفٍ، (فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ الَّذِينَ قَاتَلَ بِهِمْ حِينَ حَصَرَ ابْنَ مُطِيعٍ فِي الْقَصْرِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ [آلَافٍ] وَخَمْسُمِائَةٍ) ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَعْطَى سِتَّةَ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَتَوْهُ بَعْدَمَا أَحَاطَ بِالْقَصْرِ، وَأَقَامُوا مَعَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَتِلْكَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ مِائَتَيْنِ مِائَتَيْنِ، وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِخَيْرٍ، وَجَعَلَ الْأَشْرَافَ جُلَسَاءَهُ، وَجَعَلَ عَلَى شُرَطَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَامِلٍ الشَّاكِرِيَّ، وَعَلَى حَرَسِهِ كَيْسَانَ أَبَا عَمْرَةَ.
فَقَامَ أَبُو عَمْرَةَ عَلَى رَأْسِهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى الْأَشْرَافِ بِحَدِيثِهِ وَوَجْهِهِ، فَقَالَ لِأَبِي عَمْرَةَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمَوَالِي: أَمَا تَرَى أَبَا إِسْحَاقَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى الْعَرَبِ مَا يَنْظُرُ إِلَيْنَا؟ فَسَأَلَهُ الْمُخْتَارُ عَمَّا قَالُوا، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ، وَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: ٢٢] . فَلَمَّا سَمِعُوهَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَبْشِرُوا، كَأَنَّكُمْ وَاللَّهِ قَدْ قُتِلْتُمْ. يَعْنِي الرُّؤَسَاءَ.
وَكَانَ أَوَّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا الْمُخْتَارُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخِي الْأَشْتَرِ عَلَى أَرْمِينِيَّةَ، وَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ عَلَى أَذْرَبِيجَانَ، وَبَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَلَى الْمَوْصِلِ، وَبَعَثَ إِسْحَاقَ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْمَدَائِنِ وَأَرْضِ جُوخَى، وَبَعَثَ قُدَامَةَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute