اذْكُرْهَا. فَكَانَ يَذْكُرُهَا لَهُ.
وَدَخَلُوا الْكُنَاسَةَ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا السُّوقَ وَالْمَسْجِدَ وَحَصَرُوا ابْنَ مُطِيعٍ وَمَعَهُ الْأَشْرَافُ مِنَ النَّاسِ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، فَإِنَّهُ أَتَى دَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْبَرِّ، وَجَاءَ الْمُخْتَارُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ السُّوقِ. وَوَلَّى إِبْرَاهِيمَ حِصَارَ الْقَصْرِ وَمَعَهُ يَزِيدُ بْنُ أَنَسٍ وَأَحْمَرُ بْنُ شُمَيْطٍ، فَحَصَرُوهُمْ ثَلَاثًا، فَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ شَبَثٌ لِابْنِ مُطِيعٍ: (انْظُرْ لِنَفْسِكَ وَلِمَنْ مَعَكَ فَوَاللَّهِ مَا عِنْدَهُمْ غَنَاءٌ عَنْكَ وَلَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ. فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ شَبَثٌ) : الرَّأْيُ أَنْ تَأْخُذَ لِنَفْسِكَ وَلَنَا أَمَانًا وَنَخْرُجَ وَلَا تُهْلِكَ نَفْسَكَ وَمَنْ مَعَكَ. فَقَالَ ابْنُ مُطِيعٍ: إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ آخُذَ مِنْهُ أَمَانًا، وَالْأُمُورُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَقِيمَةٌ بِالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ. قَالَ: فَتَخْرُجُ وَلَا يَشْعُرُ بِكَ أَحَدٌ، فَتَنْزِلُ بِالْكُوفَةِ عِنْدَ مَنْ تَثِقُ بِهِ حَتَّى تَلْحَقَ بِصَاحِبِكَ.
وَأَشَارَ بِذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ وَأَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ وَابْنُ مِخْنَفٍ وَأَشْرَافُ الْكُوفَةِ، فَأَقَامَ حَتَّى أَمْسَى وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِينَ صَنَعُوا هَذَا بِكُمْ أَرَاذِلُكُمْ وَأَخِسَّاؤُكُمْ وَأَنَّ أَشْرَافَكُمْ وَأَهْلَ الْفَضْلِ مِنْكُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، وَأَنَا مُبَلِّغٌ ذَلِكَ صَاحِبِي وَمُعْلِمُهُ طَاعَتَكُمْ وَجِهَادَكُمْ حَتَّى كَانَ اللَّهُ الْغَالِبَ عَلَى أَمْرِهِ. فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا.
وَخَرَجَ عَنْهُمْ وَأَتَى دَارَ أَبِي مُوسَى، (فَجَاءَ ابْنُ الْأَشْتَرِ وَنَزَلَ) الْقَصْرَ، فَفَتَحَ أَصْحَابُهُ الْبَابَ وَقَالُوا: يَا ابْنَ الْأَشْتَرِ آمَنُونَ نَحْنُ؟ قَالَ: أَنْتُمْ آمِنُونَ.
فَخَرَجُوا فَبَايَعُوا الْمُخْتَارَ، وَدَخَلَ الْمُخْتَارُ الْقَصْرَ فَبَاتَ فِيهِ، وَأَصْبَحَ أَشْرَافُ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَى بَابِ الْقَصْرِ، وَخَرَجَ الْمُخْتَارُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَعَدَ وَلِيَّهُ النَّصْرَ وَعَدُوَّهُ الْخُسْرَ، وَجَعَلَهُ فِيهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَعْدًا مَفْعُولًا وَقَضَاءً مَقْضِيًّا، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا رُفِعَتْ لَنَا رَايَةٌ وَمُدَّتْ لَنَا غَايَةٌ، فَقِيلَ لَنَا فِي الرَّايَةِ أَنِ ارْفَعُوهَا وَفِي الْغَايَةِ أَنِ اجْرُوا إِلَيْهَا وَلَا تَعْدُوهَا، فَسَمِعْنَا دَعْوَةَ الدَّاعِي وَمَقَالَةَ الْوَاعِي، فَكَمْ مِنْ نَاعٍ وَنَاعِيَةٍ لِقَتْلَى فِي الْوَاعِيَةِ، وَبُعْدًا لِمَنْ طَغَى وَأَدْبَرَ وَعَصَى وَكَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَا فَادْخُلُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَبَايِعُوا بَيْعَةَ هُدًى، فَلَا وَالَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute