للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَصْرَ فَرْتَنَا عِدَّةٌ مِنْ فُرْسَانِهِمْ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ، فَوَلُّوا أَمْرَهُمْ عُثْمَانَ بْنَ بِشْرِ بْنِ الْمُحْتَفِزِ الْمَازِنِيَّ، وَمَعَهُ شُعْبَةُ بْنُ ظَهِيرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَوَرْدُ بْنُ الْفَلَقِ الْعَنْبَرِيُّ، وَزُهَيْرُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الْعَدَوِيُّ، وَجَيْهَانُ بْنُ مَشْجَعَةَ الضَّبِّيُّ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ نَاشِبٍ الْعَدَوِيُّ، وَرَقَبَةُ بْنُ الْحُرِّ، فِي فُرْسَانٍ مِنْ تَمِيمٍ وَشُجْعَانِهِمْ، فَحَاصَرَهُمُ ابْنُ خَازِمٍ، فَكَانُوا يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ فَيُقَاتِلُونَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى الْقَصْرِ.

فَخَرَجَ ابْنُ خَازِمٍ يَوْمًا فِي سِتَّةِ آلَافٍ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْقَصْرِ، فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ بِشْرٍ: ارْجِعُوا فَلَنْ تُطِيقُوهُ. فَحَلَفَ زُهَيْرُ بْنُ ذُؤَيْبٍ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْقُضَ صُفُوفَهُمْ. فَاسْتَبْطَنَ نَهْرًا قَدْ يَبِسَ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى حَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَحَطَّ أَوَّلَهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ، وَاسْتَدَارَ وَكَرَّ رَاجِعًا، وَاتَّبَعُوهُ يَصِيحُونَ بِهِ، وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَنْزِلَ إِلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَفْرَجُوا لَهُ حَتَّى رَجَعَ.

فَقَالَ ابْنُ خَازِمٍ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا طَاعَنْتُمْ زُهَيْرًا فَاجْعَلُوا فِي رِمَاحِكُمْ كَلَالِيبَ، ثُمَّ عَلِّقُوهَا فِي سِلَاحِهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ يَوْمًا فَطَاعَنَهُمْ، فَأَعْلَقُوا فِيهِ أَرْبَعَةَ أَرْمَاحٍ بِالْكَلَالِيبِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِمْ، فَاضْطَرَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَخَلُّوا رِمَاحَهُمْ، فَعَادَ يَجُرُّ أَرْبَعَةَ أَرْمَاحٍ حَتَّى دَخَلَ الْقَصْرَ.

فَأَرْسَلَ ابْنُ خَازِمٍ إِلَى زُهَيْرٍ يَضْمَنُ لَهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَمَيْسَانَ طُعْمَةً لِيُنَاصِحَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ. فَلَمَّا طَالَ الْحِصَارُ عَلَيْهِمْ أَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ خَازِمٍ لِيُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ لِيَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ: لَا إِلَّا عَلَى حُكْمِي، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ. فَقَالَ زُهَيْرٌ: ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ! وَاللَّهِ لَيَقْتُلَنَّكُمْ عَنْ آخِرِكُمْ، وَإِنْ طِبْتُمْ بِالْمَوْتِ نَفْسًا فَمُوتُوا كِرَامًا، اخْرُجُوا بِنَا جَمِيعًا، فَإِمَّا أَنْ تَمُوتُوا كِرَامًا، وَإِمَّا يَنْجُو بَعْضُكُمْ وَيَهْلِكُ بَعْضُكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ شَدَّةً صَادِقَةً لَيُفْرِجُنَّ لَكُمْ، فَإِنْ شِئْتُمْ كُنْتُ أَمَامَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ كُنْتُ خَلْفَكُمْ. فَأَبَوْا عَلَيْهِ. فَقَالَ: سَأُرِيكُمْ. ثُمَّ خَرَجَ هُوَ وَرَقَبَةُ بْنُ الْحُرِّ وَغُلَامٌ تُرْكِيٌّ وَابْنُ ظَهِيرٍ، فَحَمَلُوا عَلَى الْقَوْمِ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، فَأَفْرَجُوا لَهُمْ، فَمَضَوْا، فَأَمَّا زُهَيْرٌ فَرَجَعَ وَنَجَا أَصْحَابُهُ.

فَلَمَّا رَجَعَ زُهَيْرٌ إِلَى مَنْ بِالْقَصْرِ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُمْ، أَطِيعُونِي. قَالُوا: إِنَّا نَضْعُفُ عَنْ هَذَا وَنَطْمَعُ فِي الْحَيَاةِ. فَقَالَ: لَا أَكُونُ أَعْجَزَكُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ. فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ ابْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>