خَازِمٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَقَيَّدَهُمْ وَحُمِلُوا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا، فَأَرَادَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ فَأَبَى عَلَيْهِ ابْنُهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُمْ قَتَلْتُ نَفْسِي، فَقَتَلَهُمْ إِلَّا ثَلَاثَةً: أَحَدُهُمُ الْحَجَّاجُ بْنُ نَاشِبٍ، فَشَفَعَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ، فَأَطْلَقَهُ، وَالْآخَرُ جَيْهَانُ بْنُ مَشْجَعَةَ الضَّبِّيُّ الَّذِي أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْآخَرُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَهُوَ الَّذِي رَدَّ النَّاسَ عَنِ ابْنِ خَازِمٍ يَوْمَ لَحِقُوهُ، وَقَالَ: انْصَرِفُوا عَنْ فَارِسِ مُضَرَ.
وَقَالَ: وَلَمَّا أَرَادُوا حَمْلَ زُهَيْرِ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَبَى، وَاعْتَمَدَ عَلَى رُمْحِهِ فَوَثَبَ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ خَازِمٍ يَحْجِلُ فِي قُيُودِهِ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ خَازِمٍ: كَيْفَ شُكْرُكَ إِنْ أَطْلَقْتُكَ وَأَطْعَمْتُكَ مَيْسَانَ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ تَصْنَعْ بِي إِلَّا حَقْنَ دَمِي لَشَكَرْتُكَ. فَلَمْ يُمَكِّنْهُ ابْنُهُ مُوسَى مِنْ إِطْلَاقِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: وَيْحَكَ نَقْتُلُ مِثْلَ زُهَيْرٍ! مَنْ لِقِتَالِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ؟ مَنْ لِحِمَى نِسَاءِ الْعَرَبِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ شَرَكْتَ فِي دَمِ أَخِي لَقَتَلْتُكَ! فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ. فَقَالَ زُهَيْرٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً، لَا تَقْتُلْنِي وَيُخْلَطُ دَمِي بِدِمَاءِ هَؤُلَاءِ اللِّئَامِ، فَقَدْ نَهَيْتُهُمْ عَمَّا صَنَعُوا، وَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يَمُوتُوا كِرَامًا وَيَخْرُجُوا عَلَيْكُمْ مُصْلِتِينَ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلُوا لَأَذْعَرُوا بُنَيَّكَ هَذَا، وَشَغَلُوهُ بِنَفْسِهِ عَنْ طَلَبِ ثَأْرِ أَخِيهِ، فَأَبَوْا، وَلَوْ فَعَلُوا مَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى يَقْتُلَ رِجَالًا. فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ خَازِمٍ فَقُتِلَ نَاحِيَةً.
فَلَمَّا بَلَغَ الْحَرِيشَ قَتْلُهُمْ قَالَ:
أَعَاذِلَ إِنِّي لَمْ أُلِمْ فِي قِتَالِهِمْ ... وَقَدْ عَضَّ سَيْفِي كَبْشَهُمْ ثُمَّ صَمَّمَا
أَعَاذِلَ مَا وُلِّيتُ حَتَّى تَبَدَّدَتْ ... رِجَالٌ وَحَتَّى لَمْ أَجِدْ مُتَقَدِّمَا
أَعَاذِلَ أَفْنَانِي السِّلَاحُ، وَمَنْ يُطِلْ ... مُقَارَعَةَ الْأَبْطَالِ يَرْجِعْ مُكَلَّمَا
أَعَيْنَيَّ إِنْ أَنَزَفْتُمَا الدَّمْعَ فَاسْكُبَا ... دَمًا لَازِمًا لِي دُونَ أَنْ تَسْكُبَا دَمَا
أَبْعَدَ زُهَيْرٍ وَابْنِ بِشْرٍ تَتَابُعًا ... وَوَرْدٍ أُرَجِّي فِي خُرَاسَانَ مَغْنَمَا
أَعَاذِلَ كَمْ مِنْ يَوْمِ حَرْبٍ شَهِدْتُهُ ... أَكُرُّ إِذَا مَا فَارِسُ السَّوْءِ أَحْجَمَا
يَعْنِي زُهَيْرَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، وَابْنُ بِشْرٍ هُوَ عُثْمَانُ، وَوَرْدَ بْنَ الْفَلَقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute