ذِكْرُ مَسِيرِ ابْنِ الْأَشْتَرِ إِلَى قِتَالِ ابْنِ زِيَادٍ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَارَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ لِقِتَالِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَكَانَ مَسِيرُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُخْتَارِ مِنْ وَقْعَةِ السَّبِيعِ بِيَوْمَيْنِ، وَأَخْرَجَ الْمُخْتَارُ مَعَهُ فُرْسَانَ أَصْحَابِهِ وَوُجُوهَهُمْ وَأَهْلَ الْبَصَائِرِ مِنْهُمْ مِمَّنْ لَهُ تَجْرِبَةٌ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُخْتَارُ يُشَيِّعُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ دَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ لَقِيَهُ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ مَعَهُ الْكُرْسِيُّ يَحْمِلُونَهُ عَلَى بَغْلٍ أَشْهَبَ وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ لَهُ بِالنَّصْرِ وَيَسْتَنْصِرُونَهُ، وَكَانَ سَادِنَ الْكُرْسِيِّ حَوْشَبٌ الْبَرْسَمِيُّ، فَلَمَّا رَآهُمُ الْمُخْتَارُ قَالَ:
أَمَا وَرَبِّ الْمُرْسَلَاتِ عُرْفَا ... لَنَقْتُلَنَّ بَعْدَ صَفٍّ صَفَّا
وَبَعْدَ أَلْفٍ قَاسِطِينَ أَلْفَا
ثُمَّ وَدَّعَهُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ لَهُ: خُذْ عَنِّي ثَلَاثًا: خَفِ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِكَ، وَعَجِّلِ السَّيْرَ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ فَنَاجِزْهُمْ سَاعَةَ تَلْقَاهُمْ.
وَرَجَعَ الْمُخْتَارُ، وَسَارَ إِبْرَاهِيمُ فَانْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ الْكُرْسِيِّ، وَهُمْ عُكُوفٌ عَلَيْهِ قَدْ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَدْعُونَ اللَّهَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، هَذِهِ سُنَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِذْ عَكَفُوا عَلَى عِجْلِهِمْ، ثُمَّ رَجَعُوا وَسَارَ إِلَى قَصْدِهِ.
ذِكْرُ حَالِ الْكُرْسِيِّ الَّذِي كَانَ الْمُخْتَارُ يَسْتَنْصِرُ بِهِ
قَالَ الطُّفَيْلُ بْنُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ: أَضَقْنَا إِضَاقَةً شَدِيدَةً، فَخَرَجْتُ يَوْمًا فَإِذَا جَارٌ لِي زَيَّاتٌ عِنْدَهُ كُرْسِيٌّ رَكِبَهُ الْوَسَخُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ قُلْتُ لِلْمُخْتَارِ فِي هَذَا شَيْئًا. فَأَخَذْتُهُ مِنَ الزَّيَّاتِ وَغَسَلْتُهُ، فَخَرَجَ عُودُ نُضَارٍ قَدْ شَرِبَ الدُّهْنَ وَهُوَ يَبِصٌ، قَالَ فَقُلْتُ لِلْمُخْتَارِ: إِنِّي كُنْتُ أَكْتُمُكَ شَيْئًا، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَذْكُرَهُ لَكَ، إِنَّ أَبِي جَعْدَةَ كَانَ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ عِنْدَنَا، وَيَرْوِي أَنَّ فِيهِ أَثَرًا مِنْ عَلِيٍّ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَخَّرْتَهُ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ، ابْعَثْ بِهِ. فَأَحْضَرْتُهُ عِنْدَهُ وَقَدْ غُشِّيَ، فَأَمَرَ لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، ثُمَّ دَعَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute