فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَأَخْبَرُوهُ بِمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَسَأَلُوهُ النَّصْرَ لَهُمْ، وَالْمَسِيرَ إِلَى الْمُخْتَارِ مَعَهُمْ.
وَقَدِمَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ أَيْضًا وَاسْتَحَثَّهُ عَلَى الْمَسِيرِ، فَأَدْنَاهُ مُصْعَبٌ وَأَكْرَمَهُ لِشَرَفِهِ، وَقَالَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ حِينَ أَكْثَرُوا عَلَيْهِ: لَا أَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَنِي الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى فَارِسَ، يَسْتَدْعِيهِ لِيَشْهَدَ مَعَهُمْ قِتَالَ الْمُخْتَارِ، فَأَبْطَأَ الْمُهَلَّبُ، وَاعْتَلَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَرَاجِ لِكَرَاهِيَةِ الْخُرُوجِ، فَأَمَرَ مُصْعَبٌ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُهَلَّبِ يَسْتَحِثَّهُ، فَأَتَاهُ مُحَمَّدٌ وَمَعَهُ كِتَابُ مُصْعَبٍ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ لَهُ: أَمَا وَجَدَ مُصْعَبٌ بَرِيدًا غَيْرَكَ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا بِبَرِيدٍ لِأَحَدٍ، غَيْرَ أَنَّ نِسَاءَنَا وَأَبْنَائَنَا وَحَرَمَنَا غَلَبَنَا عَلَيْهِمْ عَبِيدُنَا.
فَأَقْبَلَ الْمُهَلَّبُ مَعَهُ بِجُمُوعٍ كَثِيرَةٍ وَأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ، فَقَدِمَ الْبَصْرَةَ، وَأَمَرَ مُصْعَبٌ بِالْعَسْكَرِ عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَكْبَرِ، وَأَرْسَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مِخْنَفٍ إِلَى الْكُوفَةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيْهِ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُثَبِّطَ النَّاسَ عَنِ الْمُخْتَارِ، وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ سِرًّا، فَفَعَلَ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ مُسْتَتِرًا، ثُمَّ سَارَ مُصْعَبٌ فَقَدَّمَ أَمَامَهُ عَبَّادَ بْنَ الْحُصَيْنِ الْحَطَمِيَّ التَّمِيمِيَّ، وَبَعَثَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ عَلَى مَيْمَنَتِهِ، وَالْمُهَلَّبَ عَلَى مَسِيرَتِهِ، وَجَعَلَ مَالِكَ بْنَ مِسْمَعٍ عَلَى بَكْرٍ، وَمَالِكَ بْنَ الْمُنْذِرِ عَلَى عَبْدِ الْقَيْسِ، وَالْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ عَلَى تَمِيمٍ، وَزِيَادَ بْنَ عَمْرٍو الْعَتَكِيَّ عَلَى الْأَزْدِ، وَقَيْسَ بْنَ الْهَيْثَمِ عَلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْمُخْتَارَ، فَقَامَ فِي أَصْحَابِهِ فَأَعْلَمَهُمْ ذَلِكَ، وَنَدَبَهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَ أَحْمَرَ بْنِ شُمَيْطٍ، فَخَرَجَ وَعَسْكَرَ بِحَمَّامِ أَعْيَنَ، وَدَعَا الْمُخْتَارُ رُءُوسَ الْأَرْبَاعِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ ابْنِ الْأَشْتَرِ، فَبَعَثَهُمْ مَعَ أَحْمَرَ بْنِ شُمَيْطٍ، فَسَارَ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ ابْنُ كَامِلٍ الشَّاكِرِيُّ، فَوَصَلُوا إِلَى الْمَذَارِ، وَأَتَى مُصْعَبٌ فَعَسْكَرَ قَرِيبًا مِنْهُ، وَعَبَّأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُنْدَهُ ثُمَّ تَزَاحَفَا، فَجَعَلَ ابْنُ شُمَيْطٍ ابْنَ كَامِلٍ عَلَى مَيْمَنَتِهِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وُهَيْبٍ الْجُشَمِيَّ، وَجَعَلَ أَبَا عَمْرَةَ مَوْلَى عُرَيْنَةَ عَلَى الْمَوَالِي.
فَجَاءَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ وُهَيْبٍ الْجُشَمِيُّ إِلَى ابْنِ شُمَيْطٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْمَوَالِيَ وَالْعَبِيدَ أُولُوا خَوَرٍ عِنْدَ الْمَصْدُوقَةِ، وَإِنَّ مَعَهُمْ رِجَالًا كَثِيرًا عَلَى الْخَيْلِ وَأَنْتَ تَمْشِي، فَمُرْهُمْ فَلْيَمْشُوا مَعَكَ، فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يَطِيرُوا عَلَيْهَا وَيُسْلِمُوكَ. وَكَانَ هَذَا غِشًّا مِنْهُ لِلْمَوَالِي، لِمَا كَانُوا لَقُوا مِنْهُمْ بِالْكُوفَةِ، فَأَحَبَّ أَنْ كَانَتْ عَلَيْهِمُ الْهَزِيمَةُ، وَأَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَلَمْ يَتَّهِمْهُ ابْنُ شُمَيْطٍ، فَفَعَلَ مَا أَشَارَ بِهِ، فَنَزَلَ الْمَوَالِي مَعَهُ.
وَجَاءَ مُصْعَبٌ وَقَدْ جَعَلَ عَبَّادَ بْنَ الْحُصَيْنِ عَلَى الْخَيْلِ، فَدَنَا عَبَّادٌ مِنْ أَحْمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute