وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ: إِنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِلَى بَيْعَةِ الْمُخْتَارِ، وَإِلَى أَنْ نَجْعَلَ هَذَا الْأَمْرَ شُورَى فِي آلِ الرَّسُولِ. فَرَجَعَ عَبَّادٌ فَأَخْبَرَ مُصْعَبًا، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَاحْمِلْ عَلَيْهِمْ. فَرَجَعَ وَحَمَلَ عَلَى ابْنِ شُمَيْطٍ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَوْقِفِهِ، وَحَمَلَ الْمُهَلَّبُ عَلَى ابْنِ كَامِلٍ، فَجَالَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَنَزَلَ ابْنُ كَامِلٍ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُهَلَّبُ، ثُمَّ قَالَ الْمُهَلَّبُ لِأَصْحَابِهِ: كِرُّوا عَلَيْهِمْ كَرَّةً صَادِقَةً. فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، فَوَلَّوْا، وَصَبَرَ ابْنُ كَامِلٍ فِي رِجَالٍ مِنْ هَمْدَانَ سَاعَةً ثُمَّ انْهَزَمَ، وَحَمَلَ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، فَصَبَرَ سَاعَةً ثُمَّ انْصَرَفَ، وَحَمَلَ النَّاسُ جَمِيعًا عَلَى ابْنِ شُمَيْطٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَتَنَادَوْا: يَا مَعْشَرَ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمٍ، الصَّبْرَ! فَنَادَاهُمُ الْمُهَلَّبُ: الْفِرَارُ الْيَوْمَ أَنْجَى لَكُمْ، عَلَامَ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ مَعَ هَذِهِ الْعَبِيدِ؟ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَى كَثْرَةَ الْقَتْلِ الْيَوْمَ إِلَّا فِي قَوْمِي.
وَمَالَتِ الْخَيْلُ عَلَى رَجَّالَةِ ابْنِ شُمَيْطٍ فَانْهَزَمَتْ، وَبَعَثَ مُصْعَبٌ عَبَّادًا عَلَى الْخَيْلِ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَسِيرٍ أَخَذْتَهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. وَسَرَّحَ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ فِي خَيْلٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ: دُونَكُمْ ثَأْرُكُمْ. فَكَانُوا أَشَدَّ عَلَى الْمُنْهَزِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَا يُدْرِكُونَ مُنْهَزِمًا إِلَّا قَتَلُوهُ، وَلَا يَأْخُذُونَ أَسِيرًا فَيَعْفُونَ عَنْهُ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ إِلَّا طَائِفَةُ أَصْحَابِ الْخَيْلِ، وَأَمَّا الرَّجَّالَةُ فَأُبِيدُوا إِلَّا قَلِيلًا.
قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ الْمُزَنِيُّ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَدْخَلْتُ السِّنَانَ فِي عَيْنِهِ، فَأَخَذْتُ أُخَضْخِضُ عَيْنَهُ بِهِ. فَقِيلَ لَهُ: أَفَعَلْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَنَا أَحَلَّ دِمَاءً مِنَ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ هَذَا قَاضِي الْبَصْرَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مُصْعَبٌ مِنْهُمْ أَقْبَلَ حَتَّى قَطَعَ مِنْ تِلْقَاءِ وَاسِطٍ، وَلَمْ تَكُنْ بُنِيَتْ بَعْدُ، فَأَخَذَ فِي كَسْكَرٍ، ثُمَّ حَمَلَ الرِّجَالَ وَأَثْقَالَهُمْ وَالضُّعَفَاءَ فِي السُّفُنِ، فَأُخِذُوا فِي نَهْرِ خَرْشَادَ إِلَى نَهْرِ قُوسَانَ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الْفُرَاتِ.
وَأَتَى الْمُخْتَارَ خَبَرُ الْهَزِيمَةِ وَمَنْ قُتِلَ بِهَا فِي فُرْسَانِ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ، وَمَا مِنْ مَيْتَةٍ أُمُوتُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ مَيْتَةَ ابْنِ شُمَيْطٍ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَا يُرِيدُ يُقَاتِلْ حَتَّى يُقْتَلَ.
وَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ مُصْعَبًا قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ سَارَ حَتَّى وَصَلَ السَّيْلَحِينَ، وَنَظَرَ إِلَى مُجْتَمَعِ الْأَنْهَارِ: نَهْرِ الْحَيْرَةِ، وَنَهْرِ السَّيْلَحِينَ، وَنَهْرِ الْقَادِسِيَّةِ، وَنَهْرِ يُوسُفَ، فَسَكَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute