للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفُرَاتَ، فَذَهَبَ مَاؤُهَا فِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ، وَبَقِيَتْ سُفُنُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي الطِّينِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ خَرَجُوا مِنَ السُّفُنِ إِلَى ذَلِكَ السَّكْرِ، فَأَصْلَحُوهُ وَقَصَدُوا الْكُوفَةَ، وَسَارَ الْمُخْتَارُ إِلَيْهِمْ فَنَزَلَ حَرُورَاءَ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُوفَةِ، وَكَانَ قَدْ حَصَّنَ الْقَصْرَ وَالْمَسْجِدَ، وَأَدْخَلَ إِلَيْهِ عُدَّةَ الْحِصَارِ.

وَيُقْبِلُ مُصْعَبٌ وَقَدْ جَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ الْمُهَلَّبَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَلَى الْخَيْلِ عَبَّادَ بْنَ الْحُصَيْنِ، وَجَعَلَ الْمُخْتَارُ عَلَى مَيْمَنَتِهِ سُلَيْمَ بْنَ يَزِيدَ الْكِنْدِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ سَعِيدَ بْنَ مُنْقِذٍ الْهَمْدَانِيَّ، وَعَلَى الْخَيْلِ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْدِيَّ، وَعَلَى الرِّجَالِ مَالِكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْدِيَّ. وَأَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ فِيمَنْ هَرَبَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَنَزَلَ بَيْنَ مُصْعَبٍ وَالْمُخْتَارِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُخْتَارُ بَعَثَ إِلَى كُلِّ جَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَتَدَانَى النَّاسُ، فَحَمَلَ سَعِيدُ بْنُ مُنْقِذٍ عَلَى بَكْرٍ وَعَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُمْ فِي مَيْمَنَةِ مُصْعَبٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَأَرْسَلَ مُصْعَبٌ إِلَى الْمُهَلَّبِ لِيَحْمِلَ عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَجْزُرَ الْأَزْدَ خَشْيَةَ أَهْلِ الْكُوفَةِ حَتَّى أَرَى فُرْصَتِي.

وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيِّ، فَحَمَلَ عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَالِيَةِ، فَكَشَفَهُمْ، فَانْتَهَوْا إِلَى مُصْعَبٍ، فَجَثَا مُصْعَبٌ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَبَرَكَ النَّاسُ عِنْدَهُ، فَقَاتَلُوا سَاعَةً وَتَحَاجَزُوا.

ثُمَّ إِنَّ الْمُهَلَّبَ حَمَلَ فِي أَصْحَابِهِ عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِ، فَحَطَمُوا أَصْحَابَ الْمُخْتَارِ حَطْمَةً مُنْكَرَةً، فَكَشَفُوهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو النَّهْدِيُّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ صِفِّينَ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ بِصِفِّينَ، اللَّهُمَّ أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ فِعْلِ هَؤُلَاءِ - لِأَصْحَابِهِ [حِينَ انْهَزَمُوا]- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ أَنْفُسِ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي أَصْحَابَ مُصْعَبٍ - ثُمَّ جَالَدَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ.

وَانْقَصَفَ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ كَأَنَّهُمْ أَجَمَةُ قَصَبٍ فِيهَا نَارٌ، وَحَمَلَ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو النَّهْدِيُّ، وَهُوَ عَلَى الرَّجَّالَةِ، وَمَعَهُ نَحْوُ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، عَلَى أَصْحَابِ ابْنِ الْأَشْعَثِ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، فَقُتِلَ ابْنُ الْأَشْعَثِ، وَقُتِلَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ.

وَقَاتَلَ الْمُخْتَارُ عَلَى فَمِ سِكَّةِ شَبَثٍ عَامَّةَ لَيْلَتِهِ، وَقَاتَلَ مَعَهُ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْبَأْسِ، وَقَاتَلَتْ مَعَهُ هَمْدَانُ أَشَدَّ قِتَالٍ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنِ الْمُخْتَارِ، فَقَالَ لَهُ مَنْ مَعَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، اذْهَبْ إِلَى الْقَصْرِ، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَلَمْ تَكُنْ وَعَدْتَنَا الظَّفَرَ، وَأَنَّا سَنَهْزِمُهُمْ؟ فَقَالَ: أَمَا قَرَأْتَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>