كُنْتُ أَصْنَعُ أَنْ أُقَاتِلَ عَلَى حَسْبِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ الْمُخْتَارُ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، قَتَلَهُ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَخَوَانِ، أَحَدُهُمَا طَرَفَةُ، وَالْآخَرُ طَرَّافٌ، ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَجَاجَةَ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ قَتْلِهِ دَعَاهُمْ بَحِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمِسْكِيُّ وَمَنْ مَعَهُ بِالْقَصْرِ إِلَى مَا دَعَاهُمُ الْمُخْتَارُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، وَأَمْكَنُوا أَصْحَابَ مُصْعَبٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَأَخْرَجُوهُمْ مُكَتَّفِينَ، فَأَرَادَ إِطْلَاقَ الْعَرَبِ وَقَتْلَ الْمَوَالِي، فَأَبَى أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ، فَعُرِضُوا عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ بَحِيرٌ الْمِسْكِيُّ، فَقَالَ لِمُصْعَبٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَلَانَا بِالْأَسْرِ، وَابْتَلَاكَ بِأَنْ تَعْفُوَ عَنَّا، هُمَا مَنْزِلَتَانِ: إِحْدَاهُمَا رِضَاءُ اللَّهِ، وَالْأُخْرَى سُخْطُهُ، مَنْ عَفَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَزَادَ عِزًّا، وَمَنْ عَاقَبَ لَمْ يَأْمَنِ الْقِصَاصَ، يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ نَحْنُ أَهْلُ قِبْلَتِكُمْ وَعَلَى مِلَّتِكُمْ، وَلَسْنَا تُرْكًا وَلَا دَيْلَمًا، فَإِنْ خَالَفْنَا إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ مِصْرِنَا، (فَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَصَبْنَا وَأَخْطَؤُوا، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَخْطَأْنَا وَأَصَابُوا) ، فَاقْتَتَلْنَا بَيْنَنَا كَمَا اقْتَتَلَ أَهْلُ الشَّامِ بَيْنَهُمْ ثُمَّ اجْتَمَعُوا، وَكَمَا اقْتَتَلَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَاصْطَلَحُوا وَاجْتَمَعُوا، وَقَدْ مَلَكْتُمْ فَأَسْجِحُوا، وَقَدْ قَدَرْتُمْ فَاعْفُوا. فَمَا زَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّى رَقَّ لَهُمُ النَّاسُ وَمُصْعَبٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُمْ.
فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ فَقَالَ: أَتُخَلِّي سَبِيلَهُمْ؟ اخْتَرْنَا أَوِ اخْتَرْهُمْ. وَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ فَقَالَ مِثْلَهُ، وَقَامَ أَشْرَافُ الْكُوفَةِ فَقَالُوا مِثْلَهُمَا، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، (لَا تَقْتُلْنَا وَاجْعَلْنَا عَلَى مُقَدِّمَتِكَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ غَدًا، فَمَا بِكُمْ عَنَّا غِنًى، فَإِنْ قُتِلْنَا لَمْ نُقْتَلْ) حَتَّى نُضْعِفَهُمْ لَكُمْ، وَإِنْ ظَفَرْنَا بِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لَكُمْ. فَأَبَى عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَحِيرٌ الْمِسْكِيُّ: لَا تَخْلِطْ دَمِي بِدِمَائِهِمْ إِذْ عَصَوْنِي. فَقَتَلَهُمْ.
وَقَالَ مُسَافِرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَمِرَانَ النَّاعِطِيُّ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ لِرَبِّكَ غَدًا وَقَدْ قَتَلْتَ أُمَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَكَّمُوكَ فِي أَنْفُسِهِمْ صَبْرًا؟ اقْتُلُوا مِنَّا بِعِدَّةِ مَنْ قَتَلْنَا مِنْكُمْ، فَفِينَا رِجَالٌ لَمْ يَشْهَدُوا مَوْطِنًا مِنْ حَرْبِنَا يَوْمًا وَاحِدًا، كَانُوا فِي السَّوَادِ وَجِبَايَةِ الْخَرَاجِ وَحِفْظِ الطُّرُقِ. فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute